وقوله تعالى:{قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي}: أي: ضعُف، وهو نهاية الضعف فإن العظم أشدُّ ما في البدن، وإذا انتهى الضعفُ إليه فهو غاية الضعف.
{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}: أي: الْتَهبَ، يعني: عمَّ الشيبُ رأسي كالنار تشتعلُ في الحطب فتنتشر فيه، وهو مجاز.
قوله تعالى:{وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}: أي: قد عوَّدْتَني الإجابة أبدًا، فلم تكن تُشقيني قط بالردِّ إذا دعوتُك، وتقول العرب: سَعِد فلانٌ بحاجته: إذا ظَفِر بها، وشَقِي: إذا خاب ولم ينَلْها، ولأن الشقاء هو التعب؛ قال تعالى:{فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}[طه: ١١٧]، ومَن سعى لشيء فلم يدركه ظهر له التعبُ، وإذا أدركه زال تعبُه.
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه:{إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي}: لقيتُ بضعفي عن خدمتِك ما لا أحبُّه (١)، ولا قوة بعد الشيب، فهب لي ولدًا ينوب عني في عبادتك (٢).
(١) في (أ): "لقيت لضعفي عن خدمتك على ما أحبه"، وفي (ف): "بقيت بضعفي عن خدمتك عليّ ما لي حيلة"، وفي (ر): "تفتت لضعفي عن خدمتك علي ما لي جنة". والمثبت من "اللطائف"، وزاد: (فطعنت فى السنّ). (٢) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٤١٩).