وقوله تعالى:{يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} قيل: هو مقدَّم في التقدير؛ أي: هو اللَّهُ الذي {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} في السَّماوات وفي الأرض.
وقيل: بل هو مُقرَّرٌ في موضعِه، وتفسيرُ الأوَّل ما قلنا.
وقيل: يَعلمُ ما تُسِرُّون مِن القولِ، وما تَجهرون به، وهو كقوله:{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ}[الرعد: ١٠].
وقوله تعالى:{وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ}؛ أي: ما تَعملون مِن خيرٍّ أو شرٍّ.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: قيل: أي: {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ}؛ أي: ما تُضمِرون في القلوب، {وَجَهْرَكُمْ} ما تَنطِقون به، {وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} مِن الأفعالِ التي تُعمَلُ بالجوارح، يَعلَمُ ذلك كلَّه، فيُحصيهِ، ويُحاسِبكم به، ويَجزيكُم عليه، قال تعالى:{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}[البقرة: ٢٨٤].
قال: وقيل: {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ}؛ أي ما خلقَ في أعضائِكم مِن الأسرار، كالسَّمعِ في الأُذُن، والبصرِ في العين، والشَّمِّ في الأنف، والذَّوقِ في الفم (٢)، والنُّطقِ في اللِّسان، {وَجَهْرَكُمْ}؛ أي: ظواهرَ هذه الأعضاء، والبشرُ لا يَعرفون ماهيةَ هذه الأسرار (٣) وحقائقَها (٤).
* * *
(١) انظر: "تفسير مقاتل" (١/ ٥٤٩). (٢) قوله: "والذوق في الفم" من (ف). (٣) في (ف): "ذلك" بدل: "هذه الأسرار"، وفي هامشها نسخة موافقة للمثبت. (٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ١٦).