والذَّوقُ في موضع الحقيقة: تعرُّفُ طعمِ الشيء بالفم، ثم يُستعمل في أشياءَ بمعنى النَّيل (١)؛ يقال: ما ذقتُ غَمْضًا (٢)، قال المتنبي:
إذا ما الناسُ جرَّبهم لبيبٌ... فإني قد طَعِمْتُهمُ وذاقا (٣)
وقال تعالى:{فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا}[الطلاق: ٩]، وقال:{فَذُوقُوا الْعَذَابَ}[آل عمران: ١٠٦]، وقال تعالى:{فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}[النحل: ١١٢].
واتصال هذه الآية بما قبلها: أن تقديره: لا يحزُنْكَ تكذيبُهم إياك فإنَّ مرجعَ الخلق إليَّ فأجازيهم على التكذيب وأجازيك على الصبر، وذلك قوله تعالى:
{وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}: أي: تُعطون على الكمال ثوابَ أعمالكم في الآخرة، فإن الدنيا ليست بدار الجزاء.
وقوله تعالى:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ}: أي: بُعِّد، وقد أوضحنا ذلك عند قوله عز وجل:{وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ}[البقرة: ٩٦].
= صالح عن ابن عباس، فقد جرت العادة في مثل هذه الأخبار أن تنسب عند البعض للكلبي وعند آخرين لابن عباس. ورواه ابن المنذر كما في "الدر المنثور" (٦/ ٤٤٧) عن ابن جريج. (١) في (أ): "على معنى النيل"، وفي (ف): "على معنى الليل"، بدل: "بمعنى النيل". (٢) في (ر): "ما نلت غمضا". (٣) انظر: "أبو الطيب المتنبي وما له وما عليه" للثعالبي (ص: ١٢٦)، و"شرح شعر المتنبي" لابن الإقليلي (١/ ٢٨١)، و"اللامع العزيزي في شرح ديوان المتنبي" للمعري (ص: ٧٧٨)، و"أمالي ابن الشجري" (٣/ ٢٤٧)، وفيها جميعًا بدل (طعمتهم): (أكلتهم). قال المعري: هذا البيت في غاية المبالغة وحسن اللفظ؛ لأن الإنسان إذا أكل الشيء فقد خبر منه ما لا يخبر غيره، فجعل الذين جربوا الناس كأنهم قد ذاقوا طعامًا تفرد بأكله. والذوق: إنما يستعمل في الشيء القليل حتى إنه يقال: ذاقه بطرف لسانه.