وعن ابنِ عباسٍ رضي اللَّه عنهما أنَّه قال: كلُّ القرآنِ أَعلمُ إلَّا أربعةً: غِسْلين، وحنَّان، والأوَّاه والرَّقِيْم، ثم رُوي عنه أنَّه عَلِمَ ذلك (١).
قال القُتبيُّ: ولم يُنزِل اللَّهُ شيئًا مِن القرآن إلَّا ليَنتفعَ به عبادُه، ويدلَّ به على معنًى أَراده، فلو (٢) كان المتشابهُ لا يَعلمه غيرُه لَلَزِمَنا للطَّاعنِ مقالٌ، وهل يجوز أنْ يقال: إنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَكن يعرف المتشابهَ، وإذا جاز أنْ يعرفه مع قوله:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} جاز أنْ يَعرفه الرَّبَّانِيُّون مِن صحابته (٣).
فعلى قولِ هؤلاء على الوصل معناه: وما يعلم تأويله إلا اللَّهُ ومَن فضَّله اللَّهُ مِن الراسخين في العلم؛ أي: الثابتين المستقيمين الذين لا يتهيَّأ استزلالُهم ولا تشكيكُهم، وقد رسخَ الشيءُ في القلب؛ أي: استَحْكَم، يقول: ينبغي للمبتغين ذلك المتشابهَ (٤) أنْ يقصدوا بسؤالهم هؤلاء الراسخين ليكشفوا لهم ذلك إنْ كانوا مسترشِدِين، وفيه أنَّ (٥) اللَّهَ تعالى لم يُسوِّ بين خَلْقه في العلم بالمتشابهات كما لم يسوِّ (٦) بينهم في سائر العلوم.