الإيمانُ بالكتاب؛ فإنه قال {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ}[القصص: ٨٦].
وقال (١) الإمام القشيري رحمه اللَّه: شهادةُ الحقِّ سبحانه لنبيِّه عليه السلام بالإيمان أتمُّ له من إخباره عن نفسه بشهادته.
قال: ويقال: آمَنَ الخلقُ كلُّهم من حيث البرهان وآمن الرسول من حيث العِيَان، آمَنَ الخلق بالوسائط وآمَن الرسول بلا وسائط، آمن الخلق استدلالًا وآمن الرسول مشاهدةً ووصالًا (٢).
وقوله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ}: قيل: هو عطفٌ على الأول؛ أي: والمؤمنون آمنوا بذلك أيضًا (٣){كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ}؛ أي: محمدٌ وأمتُه كلٌّ منهم آمَن باللَّه {وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}.
وقيل:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} هذا تامٌّ، وهو إخبارٌ عن إيمانه بالقرآن، وكان هذا بعد الوحي، وإيمانُه بكلِّ الأركان التي سِوَاه كان موجودًا قبل ذلك منه، ثم قال:{وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} وإيمانُ المؤمنين بكلِّ هذه الأشياء كان بعد ما دُعوا إليها، فإنهم لم يكونوا عارفين بها مؤمِنين بها، و (كلّ) كلمة تصلح للواحد والجمع، فإنها تعم عمومَ الأفراد (٤)، وفي القرآن:{كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}[النور: ٤١]{وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[مريم: ٩٥] وهذا للفرد، وقال:{كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ}[الأنبياء: ٩٣]{وَكُلٌّ أَتَوْهُ}[النمل: ٨٧] وهذا للجمع.
(١) في (ف): "قال". (٢) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٢١٥). (٣) "قيل هو عطف على الأول أي والمؤمنون آمنوا بذلك أيضًا": من (أ)، ووقع فيها بعدها: "قوله تعالى"، ولا وجه له. (٤) في (أ) و (ف): "الانفراد".