ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة الفرار. قال تعالى:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}[الذاريات: ٥٠].
وحقيقة الفرار: الهرب من شيءٍ إلى شيءٍ، وهو نوعان: فرار السُّعداء، وفرار الأشقياء. ففرار السُّعداء: الفرار إلى الله تعالى، وفرار الأشقياء: الفرار منه لا إليه.
وأمّا الفرار منه إليه ففرار أوليائه، قال ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما - في قوله تعالى:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}: فِرُّوا (١) منه إليه واعملوا بطاعته. وقال سهل بن عبد الله: فرُّوا ممَّا سوى الله إلى الله. وقال آخرون (٢): اهربوا من عذاب الله إلى ثوابه بالإيمان والطّاعة.
وقال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (٣): (هو الهرب ممَّا لم يكن إلى من لم يزل. وهو على ثلاث درجاتٍ: فرار العامَّة من الجهل إلى العلم عقدًا وسعيًا، ومن الكسل إلى التّشمير جدًّا (٤) وعزمًا، ومن الضِّيق إلى السّعة ثقةً ورجاءً).
يريد بـ (ما لم يكن): الخلق، وبـ (ما لم يزل): الحقَّ.
(١) زِيد في ل: «به»، خطأ. (٢) هو البغوي في «معالم التنزيل» (٧/ ٣٧٩)، وعنده القولان السابقان أيضًا. (٣) (ص ١٧). (٤) كذا في «شرح التلمساني» (ص ١٠١، ١٠٢). وفي مطبوعة «المنازل» و «شرح القاساني» (ص ٨٣): «حذرًا».