وقد مثِّل ذلك بحال الطِّفل الرضيع في اعتماده وسكونه وطمأنينته بثدي أمِّه لا يَعرف غيره، وليس في قلبه التفاتٌ إلى غيره. كما قال بعض العارفين: المتوكِّل كالطِّفل، لا يعرف شيئًا يأوي إليه إلَّا ثدي أمِّه، كذلك المتوكِّل لا يأوي إلَّا إلى ربِّه عز وجل (١).
فصل
الدرجة الخامسة: حسن الظنِّ بالله تعالى، فعلى قدر حسن ظنِّك به ورجائك له يكون توكُّلك عليه. ولذلك فسّر بعضهم التوكُّل بحسن الظن فقال: التوكل حسن الظنِّ بالله (٢).
والتحقيق: أن حسن الظنِّ به يدعوه إلى التوكُّل عليه، إذ لا يتصوَّر التوكُّل على من تُسيء ظنَّك به، ولا التوكُّل على من لا ترجوه.
فصل
الدرجة السّادسة: استسلام القلب له، وانجذاب دواعيه كلِّها إليه، وقطع منازعاته. وبهذا فسَّره من قال: أن يكون العبد بين يدي الله كالميِّت بين يدي الغاسل يقلبه كيف أراد، (٣) لا يكون له حركة ولا تدبير.
وهذا معنى قول بعضهم: التوكُّل إسقاط التدبير، يعني الاستسلام لتدبير
(١) «القشيرية» (ص ٤١٦). (٢) هو قول عبد الله بن داود الخُريبي، الإمام الزاهد (ت ٢١٣). أسنده عنه ابن أبي الدنيا في «التوكل» (٣٠) و «حسن الظن بالله» (٢٧)، والبيهقي في «الشعب» (١٢١٤). (٣) في ش زيادة: «أي».