ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة المروءة.
المروءة فُعولةٌ من لفظ المرء، كالفتوّة من الفتى، والإنسانيّة من الإنسان. ولهذا كانت حقيقتها: اتِّصاف النّفس بصفات الإنسان التي فارق بها الحيوانَ البهيم والشّيطانَ الرّجيم، فإنّ في النّفس ثلاثة دواعٍ متجاذبةٍ:
داعٍ يدعوها إلى الاتصاف بأخلاق الشّيطان: من الكبر، والحسد، والعلوِّ، والبغي، والشّرِّ، والأذى، والفساد، والغِشِّ.
وداعٍ يدعوها إلى أخلاق الحيوان، وهو داعي الشّهوة.
وداعٍ يدعوها إلى أخلاق المَلَك: من الإحسان، والنُّصح، والبرِّ، والعلم، والطّاعة.
فحقيقة المروءة: عصيانُ (١) ذينك الدّاعيين، وإجابة هذا الدّاعي الثّالث. وقلّة المروءة وعدمها: هو الاسترسال مع ذينك الدّاعيين، والتّوجُّه لدعوتهما أين كانت.
فالإنسانيّة والمروءة والفتوّة: كلُّها في عصيان الدّاعيينِ، وإجابة الدّاعي الثّالث. كما قال بعض السّلف (٢): خلق الله الملائكة عقولًا بلا شهوةٍ،
(١) ل: «بغضه». (٢) عزاه المؤلف إلى قتادة في «عدة الصابرين» (ص ٣٧)، ولم أجده مسندًا ومرويًّا عنه في المصادر. وهو بلا نسبة في «مجموع الفتاوى» (٤/ ٣٥١، ١٥/ ٤٢٨)، و «مفتاح دار السعادة» (١/ ٢٨٦).