ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة الفراسة.
قال الله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}[الحجر: ٧٥]. قال مجاهدٌ - رحمه الله -: للمتفرِّسين. وقال ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما -: للنّاظرين. وقال قتادة: للمعتبرين. وقال مقاتلٌ: للمتفكِّرين (١).
ولا تَنافِيَ بين هذه الأقوال، فإنّ النّاظر متى نظر في آثار ديار المكذِّبين ومنازلهم وما آل إليه أمرهم= أورثه فراسةً وعبرةً وفكرةً. وقال تعالى في حقِّ المنافقين:{وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}[محمد: ٣٠]. فالأوّل: فراسة النّظر والعين. والثّاني: فراسة الأذن والسّمع.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - يقول: علَّق معرفته إيّاهم بالنّظر على المشيئة، ولم يُعلِّق تعريفهم بلحن خطابهم على شرطٍ، بل أخبر به خبرًا مؤكّدًا بالقسم، فقال:{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، وهو تعريض الخطاب وفحوى الكلام ومغزاه.
واللّحن ضربان: صوابٌ وخطأٌ. فلحن الصّواب نوعان:
أحدهما: الفطنة. ومنه:«ولعلّ بعضهم أن يكون ألحنَ بحجّته من بعضٍ»(٢).
(١) «تفسير البغوي» (٣/ ٥٥). والمؤلف صادر عنه. وانظر: «تفسير الطبري» (١٤/ ٩٤ - ٩٦). (٢) أخرجه البخاري (٢٦٨٠، ٦٩٦٧، ٧١٦٨) ومسلم (١٧١٣) من حديث أم سلمة - رضي الله عنها -. وفيهما: «بعضكم» بدل «بعضهم».