ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة التّواضع. قال الله تعالى:{الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا}[الفرقان: ٦٣]، أي سكينةً ووقارًا، متواضعين، غير أشِرِين، ولا مَرِحين، ولا متكبِّرين. قال الحسن - رضي الله عنه -: علماء حلماء (١). وقال محمّد بن الحنفيّة - رضي الله عنه -: أصحاب وقارٍ وعفّةٍ لا يَسفَهون، وإن سُفِه عليهم حَلُموا (٢).
والهَوْن بالفتح في اللُّغة: الرِّفق واللِّين، والهُوْن بالضّمِّ: الهَوان. فالمفتوح صفة أهل الإيمان، والمضموم صفة أهل الكفران، وجزاؤهم من الله.
لمّا كان الذُّلُّ منهم ذلَّ رحمةٍ وعَطْفٍ وشَفَقةٍ وإخباتٍ= عدّاه بأداة «على» تضمينًا لمعاني هذه الأفعال، فإنّه لم يردْ به ذُلّ الهَوان الذي صاحبه ذليلٌ، وإنّما هو ذلُّ اللِّين والانقياد الذي صاحبه ذَلولٌ. فالمؤمن ذلولٌ، كما في الحديث:«المؤمن كالجمل الذَّلول»(٣)، والمنافق والفاسق ذليلٌ. وأربعةٌ
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٧/ ٤٩٢، ٤٩٣). وانظر: «الدر المنثور» (١١/ ٢٠٦). (٢) «تفسير البغوي» (٣/ ٣٧٥). وفيه ذكر القولين، ويبدو أن المؤلف صادر عنه. (٣) الحديث بلفظ «المؤمن كالجمل الأنِف حيثما انْقِيد انقادَ»، أخرجه أحمد (١٧١٤٢)، وابن ماجه (٤٣) والحاكم (١/ ٩٦) وغيرهم من حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه -. وإسناده حسن.