قال صاحب «المنازل»(١): (باب الغرق. قال الله تعالى:{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}[الصافات: ١٠٣]. هذا اسمٌ يُشار به في هذا الباب إلى من توسَّطَ المقامَ وجاوزَ حدَّ التّفرُّق).
وجه استدلاله بإشارة الآية: أنّ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لمّا بلغ ما بلغ (٢) هو وولده في المبادرة إلى الامتثال، والعزمِ على إيقاع الذّبح المأمور به، ألقى (٣) الولدَ على جَنْبه في الحال، وأخذَ الشَّفرةَ وأهوى إلى حلقه= أعرضَ في تلك الحال عن نفسه وولده، وفني بأمر الله عنهما، فتوسَّطَ بحرَ جمْعِ السِّرِّ والقلب والهمِّ على الله، وجاوزَ حدَّ التّفرقةِ المانعة من امتثال هذا الأمر.
وقوله:{فَلَمَّا أَسْلَمَا} أي: استسلما وانقادا لأمر الله، فلم يبقَ هناك منازعةٌ لا من الوالد ولا من الولد، بل استسلامٌ صِرفٌ وتسليمٌ محضٌ.
وقوله:{وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} أي: صَرعَه على جبينه، وهو جانب الجبهة الذي يلي الأرضَ عند النّوم، وتلك هيئةُ ما يُراد ذبحه.
وقوله:(توسّط المقام) لا يريد به مقامًا معيّنًا، ولذلك أبهمه ولم يُقيِّده. و «المقام» عندهم: منزلٌ من منازل السّالكين، وهو يختلف باختلاف مراتبه، وله بدايةٌ وتوسُّطٌ ونهايةٌ، فالغرق المشار إليه: أن يصير في وسط المقام.
(١) (ص ٨٨). (٢) «ما بلغ» ليست في ر، ت. (٣) ش: «ألقاه».