تفصيل وتمييز. وقد تقدَّم في أوَّل الكتاب (١) ذكرُ طرق الخلق في هذا الموضع، وبيَّنَّا طريقة أهل الاستقامة. فالنَّاس (٢) أربعة أقسامٍ:
أحدهم: من لا يريد ربَّه ولا يريد ثوابَه، فهؤلاء أعداؤه حقًّا، وهم أهل العذاب الدائم. وعدم إرادتهم لثوابه إمَّا لعدم تصديقهم به، وإمَّا لإيثار العاجل عليه ولو كان فيه سخطه.
وقال الله تعالى:{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}[الإسراء: ١٩]، فأخبر أنَّ السعي المشكور سعيُ من أراد الآخرة.
وأصرح من هذا قوله لخواصِّ أوليائه ــ وهم أصحاب نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ــ في يوم أحدٍ:{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}[آل عمران: ١٥٢]، فقسمهم إلى هذين القسمين اللَّذين لا ثالث لهما. وقد غلط من قال: فأين من يريد الله؟ فإنَّ إرادة الآخرة عبارةٌ عن إرادة الله وثوابه، فإرادةُ الثواب لا تنافي إرادة الله.
والقسم الثالث: من يريد من الله، ولا يريد الله. فهذا ناقصٌ غاية النَّقص.
(١) (١/ ١٣٩ - ١٤٨). (٢) في ع زيادة: «في هذا المقام».