ثمّ ينزل القلب منزل التّذكُّر وهو قرين الإنابة، قال تعالى:{وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ}[غافر: ١٣]، وقال:{تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}[ق: ٨].
وهو من خواصِّ أولي الألباب، كما قال تعالى: {وَمَا يَذَّكَّرُ (١) إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: ٢٦٩].
والتّذكُّر والتّفكُّر منزلان يُثمران أنواع المعارف وحقائقَ الإيمان والإحسان، فالعارف لا يزال يعود بتفكُّره على تذكُّره، وتذكُّره (٢) على تفكُّره، حتّى يفتح قفل قلبه بإذن الفتَّاح العليم. قال الحسن البصريُّ - رضي الله عنه -: ما زال أهل العلم يعودون بالتذكُّر على التفكُّر، وبالتفكُّر على التذكُّر، ويناطقون القلوب حتّى نطقت (٣).
قال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (٤): (التذكُّر فوق التفكُّر، لأنَّ التفكُّر طلب، والتذكُّر وجود).
يريد أنّ التّفكُّر التماس الغايات من مباديها، كما قال (٥): (التفكُّر تلمُّس
(١) في الأصل، ل، ش، ج: «يتذكر»، سهو. وإنما جاء ذلك في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد: ١٩، الزمر: ٩]. (٢) ج، ن: «بتذكُّره». (٣) أخرجه الدينَوَري في «المجالسة» (٢٦٧٢) وأبو نعيم في «الحلية» (١٠/ ١٩) بنحوه. (٤) (ص ١٥). (٥) «منازل السائرين» (ص ١٣)، ولفظه: «لاستدراكِ البغية».