أي: فطرهم منيبين إليه، فلو خُلُّوا وفِطَرَهم لما عَدَلتْ عن الإنابة إليه، ولكنَّها تُحوَّل وتغيَّر عمَّا فطرت عليه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مولودٍ إلّا يولد على هذه الملَّة (١) حتى يُعرِب عنه لسانُه» (٢).
وقال عن نبيِّه داود عليه السلام: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (٢٤)} [ص: ٢٤].
وأخبر سبحانه أنَّ البشرى منه إنّما هي لأهل الإنابة فقال:{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى}[الزمر: ١٧].
والإنابة إنابتان: إنابة لربوبيّته، وهي إنابة المخلوقات كلِّها، يشترك فيها المؤمن والكافر، والبرُّ والفاجر، قال الله تعالى:{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ}[الروم: ٣٣]، فهذا عامٌّ في حقِّ كلِّ داعٍ أصابه ضرٌّ، كما هو الواقع، وهذه الإنابة لا تستلزم الإسلام، بل تجامع الشِّرك والكفر، كما قال تعالى في حقِّ هؤلاء: {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} [الروم: ٣٣ - ٣٤] فهذا حالهم بعد إنابتهم.
(١) السياق في ع: «على الفطرة ــ وفي رواية: على الملة ــ». (٢) أخرجه أحمد (٧٤٤٥)، ومسلم (٢٦٥٨/ ٢٣) من حديث أبي هريرة بنحوه. وأخرجه أيضًا أحمد (١٥٥٨٩)، وأبو يعلى (٩٤٢)، وابن حبان (١٣٢) وغيرهم من حديث الأسود بن سَريع بنحوه.