{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الفرقان: ٦٨ - ٧٠]؟ فقال: كانت هذه الآية في الجاهليَّة، وذلك أنَّ ناسًا من أهل الشِّرك كانوا قد قتَلوا وزنَوا، فأتَوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: إنَّ الذي تدعو إليه لَحَسَنٌ لو تخبرنا أنَّ لِما عملنا (١) كفَّارةً، فنزل:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} إلى قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ}[الفرقان: ٦٨ - ٧٠]، فهذه في أولئك. وأمَّا التي في سورة النِّساء، وهي قوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء: ٩٣] = فالرَّجلُ إذا عرف الإسلامَ وشرائعَه ثمَّ قتَلَ فجزاؤه جهنَّمُ. وقال زيد بن ثابتٍ: لمَّا نزلت التي في الفرقان: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} عَجِبنا من لينها، فلبثنا سبعة أشهرٍ، ثمَّ نزلت الغليظةُ بعد اللَّيِّنة، فنسخَت اللَّيِّنةَ. وأراد بالغليظة هذه الآية آيةَ النِّساء، وباللَّيِّنة آيةَ الفرقان. قال ابنُ عبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: آيةُ الفرقان مكِّيّةٌ، وآيةُ النِّساء مدنيّةٌ، نزلت ولم ينسخها شيءٌ (٢).
قال هؤلاء: ولأنَّ التَّوبةَ من قتل المؤمن عمدًا متعذّرةٌ، إذ لا سبيل إليها إلّا باستحلاله أو إعادة نفسه التي فوَّتها عليه (٣)، إذ التّوَبةُ من حقِّ الآدميِّ لا
(١) ج، ع: "عملناه". (٢) "تفسير البغوي" (٢/ ٢٦٦ - ٢٦٧) وعنه صدر المؤلف .. وقول ابن عباس: "إن ناسًا من أهل الشرك" إلى الآية (٦٨) من سورة الفرقان أخرجه البخاري (٤٨١٠) ومسلم (١٢٢). (٣) بعده في ع زيادة: "إلى جسده".