وقال السُّدِّيُّ: الكبائر: ما نهى الله عنه من الذُّنوب الكِبار. والسَّيِّئاتُ مقدِّماتُها وتوابعُها ممَّا يجتمع فيه الصَّالحُ والفاسقُ، مثل النَّظرة واللَّمْسَة (١) والقبلة وأشباهها، واحتجَّ بقول النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "العينان تزنيان، واليدان تزنيان، والرِّجلان تزنيان، ويصدِّق ذلك كلّه (٢) الفرجُ أو يكذِّبه"(٣).
وقيل: الكبائر: ما يستصغره العباد. والصَّغائر: ما يستعظمونه، فيخافون مواقعته (٤). واحتجَّ أربابُ هذه المقالة بما روى البخاريُّ في "صحيحه"(٥) عن أنسٍ - رضي الله عنه -قال: إنَّكم لَتعملون أعمالًا، هي أدقُّ في أعينكم من الشَّعَر، كنَّا نُعدُّها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات.
قلتُ: أمَّا قولُ السُّدِّيِّ: "الكبائر ما نهى الله عنه من الذُّنوب الكبار"، فبيانٌ للشَّيء بنفسه، فإنَّ الذُّنوبَ الكبارَ هي الكبائر. وإنَّما مرادُه أنَّ المنهيَّ عنه قسمان:
أحدهما: ما هو مشتملٌ على المفسدة بنفسه، فنفسُ فعلِه منشأ المفسدة، فهذا كبيرةٌ، كقتل النَّفس والسَّرِقة والقذف والزِّنى (٦).
(١) ما عدا ع: "اللَّمَّة"، وفي "تفسير البغوي" ما أثبت، وانظر ما يأتي في تفسير كلام السُّدِّي. (٢) "كله" ساقط من ج، ش. وفي ج: "والفرج يصدِّق ذلك". (٣) أخرجه أحمد (١٠٨٢٩) وابن حبان (٤٤١٩) من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح، وأصله في "الصحيحين" كما تقدم (ص ٤٨٦). (٤) "تفسير البغوي" (٢/ ٢٠٣). (٥) برقم (٦٤٩٢). (٦) ج: "والزنى والقذف".