العملُ الثّاني كفرًا موجبًا للخلود أو معصيةً موجبةً للدُّخول، فإنَّه لم يقل:"فيرتدُّ فيفارقُ الإسلامَ"، وإنّما أخبر بأنَّه يعمل بعملٍ موجبٍ (١) له النَّار. وفي بعض "السُّنن"(٢): "إنَّ العبدَ لَيعمل بطاعة الله ستِّين سنةً، فإذا كان عند الموت جار في وصيَّته فدخل النَّارَ". فالخاتمةُ السّيِّئةُ أعمُّ من أن تكون خاتمةً بكفرٍ أو بمعصيةٍ، والأعمالُ بالخواتيم.
فإن قيل: فهذا (٣) يلزم منه إحباطُ الحسنات بالسّيِّئات، وهذا قول المعتزلة (٤)، والقرآنُ والسُّنةُ قد دلَّا على أنَّ الحسناتِ هي التي تُحبط السّيِّئات لا العكس، كما قال تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود: ١١٤]. وقال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمعاذٍ:"اتّق الله حيثما كنتَ، وأتبِعِ السّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالقِ النَّاسَ بخلُقٍ حسنٍ"(٥).
(١) ج، ش، ع: "يوجب". (٢) أخرجه أبو داود (٢٨٦٧) والترمذي (٢١١٧) وابن ماجه (٢٧٠٤) وغيرهم من طريق الأشعث بن جابر عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بنحوه، وشهر بن حوشب فيه لين وقد تفرد به. وينظر "ضعيف أبي داود- الأم" (٢/ ٣٩٠) و"نزهة الألباب" للوائلي (٥/ ٢٩٧٨ - ٢٩٧٩). (٣) ش: "هذا". (٤) انظر: "الإرشاد" للجويني (ص ٣٨٩ - ٣٩٠)، و"مجموع الفتاوى" (١٠/ ٣٢١ - ٣٢٢، ٦٣٧ - ٦٣٨). (٥) أخرجه أحمد (٢٢٠٥٩) والترمذي عقب (١٩٨٧) وغيرهما من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه -، ونقل الترمذي عن شيخه محمود بن غيلان أن الصحيح أنه من مسند أبي ذر؛ كما عند أحمد (٢١٣٥٤، ٢١٤٠٣) والترمذي (١٩٨٧) وغيرهما، وقال أحمد في الموضع الثاني: "وكان حدثنا به وكيع عن ميمون بن أبي شبيب عن معاذ ثم رجع". والحديث على كلا التقديرين منقطع؛ إذ ميمون بن أبي شبيب لم يدرك معاذًا ولا أبا ذر - رضي الله عنه -. وقال الدارقطني في "العلل" (٩٨٧) بعد عرض طرقه: "وكأن المرسل أشبه بالصواب". وينظر: "جامع العلوم والحكم" (الحديث الثامن عشر) و"الصحيحة" (٣/ ٣٦٢).