الثاني: أنَّ المعرفة في الغالب تكون لِما غاب عن القلب بعد إدراكه، فإذا أدركه قيل: عرفه، أو تكون لِما وُصف له بصفاتٍ قامت في نفسه، فإذا رآه وعلم أنَّه الموصوف بها قيل: عرفه، قال تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ}[يونس: ٤٥]، وقال:{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ}[يوسف: ٥٨]، وقال:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}[البقرة: ١٤٦]، لمَّا كانت صفاته معلومةً عندهم فرأوه، عرفوه بتلك الصِّفات.
وفي الحديث الصحيح:«إنَّ الله سبحانه يقول لآخر أهل الجنَّة دخولًا: أتعرف الزمان الذي كنت فيه؟ فيقول: نعم، فيقول: تمنَّ، فيتمنَّى على ربِّه»(٢).
فالمعرفة تشبه الذِّكر النفسي (٣)، وهو حضور ما كان غائبًا عن الذِّكر.
(١) «التصور» و «التصديق» هنا على اصطلاح أهل المنطق، فالأول: العلم بذات الشيء، والثاني: نسبة الشيء إلى آخر سلبًا أو إيجابًا. (٢) أخرجه أحمد (٣٥٩٥) ومسلم (١٨٦) والترمذي (٢٥٩٥) وابن حبان (٧٤٢٧) وغيرهم من حديث ابن مسعود بلفظ: «أتذكر الزمان ... ». ولم أجد من رواه بلفظ المعرفة. (٣) ر: «الشيء»، طبعة الفقي: «للشيء»، تصحيف.