الثالث: أنَّه قال: {فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى}، وهو ناحية السماء العليا، وهذا استواء جبريل بالأفق. وأمَّا استواء الربِّ جلَّ جلالُه فعلى عرشه.
الرابع: أنَّه قال: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}، فهذا دنوُّ جبريل وتدلِّيه إلى الأرض حيث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأمَّا الدُّنوُّ والتدلِّي في حديث المعراج (١)، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان فوق السماوات، فهناك دنا الجبَّار ــ جلَّ جلالُه ــ منه وتدلَّى.
فالدُّنوُّ والتدلِّي في الحديث غير الدُّنوِّ والتدلِّي في الآية، وإن اتَّفقا في اللفظ.
الخامس: أنَّه قال: {وَلَقَدْ رَأَىهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}، والمرئيُّ عند السِّدرة: هو جبريل قطعًا، وبهذا فسَّره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال:«ذاك جبريل».
السادس: أنَّ مفسِّر (٢) الضمير في قوله: {وَلَقَدْ رَأَىهُ}، وقولِه:{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى}، وقولِه:{فَاسْتَوَى}، وقولِه:{وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} = واحدٌ، فلا
(١) يشير إلى حديث شريك بن أبي نمر عن أنس عند البخاري (٧٥١٧) وفيه: «حتى جاء سدرةَ المنتهى، ودنا الجبارُ ربُّ العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما أوحى إليه: خمسين صلاة ... ». وهذه من الألفاظ التي تفرد بها شريك في هذا الحديث، وقد أنكرت عليه. انظر: «فتح الباري» لابن رجب (٢/ ١١٤). (٢) د، ش، ت: «نفس»، والظاهر أنه تصحيف.