ولهذا يقرُن استواءَه على العرش بهذا الاسم كثيرًا (١)، كقوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه: ٥]، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ}[الفرقان: ٥٩]. فاستوى على عرشه باسم "الرّحمن"، لأنّ العرش محيطٌ بالمخلوقات قد وَسِعَها، والرّحمةُ محيطةٌ بالخلق واسعةٌ لهم، كما قال تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}[الأعراف: ١٥٦]. فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصِّفات، فلذلك وسعت رحمته كلَّ شيءٍ.
وفي الصّحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لمّا قضى الله الخلقَ كتَب في كتابٍ فهو عنده موضوعٌ على العرش: إنّ رحمتي تغلب غضبي"(٢). وفي لفظ:"سبقت رحمتي غضبي"(٣). وفي لفظٍ:"فهو عنده، وضعه على العرش"(٤).
فتأمَّلْ اختصاصَ هذا الكتاب بذكر الرّحمة ووضعِه عنده على العرش، وطابِقْ بين ذلك وبين قوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه: ٥]، وقوله:
(١) لم يقرن باسم الرحمن في القرآن الكريم إلا في الموضعين المذكورين. (٢) أخرجه البخاري (٧٤٠٤)، ومسلم (٢٧٥١) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (٣) البخاري (٧٥٥٣)، ومسلم (٢٧٥١/ ١٥). وقد سقط هذا اللفظ من ع، واستدرك في حاشية ش: "وفي رواية: ... ". (٤) كذا في الأصل وغيره، وفي هامش ع: "خ وضعٌ". يعني اللفظ الوارد في البخاري (٧٤٠٤): "وهو وَضْعٌ عنده على العرش" أي موضوع. وفي رواية أبي ذر: "وَضَعَ". انظر: "فتح الباري" (١٣/ ٣٨٥).