وقال أحمد بن عاصمٍ الأنطاكيُّ: إذا جالستم أهلَ الصِّدق فجالسوهم بالصِّدق، فإنّهم جواسيسُ القلوب، يدخلون في قلوبكم ويخرجون من حيث لا تحتسبون (٢).
وكان الجنيد - رحمه الله - يومًا يتكلّم على النّاس، فوقف عليه شابٌّ نصرانيٌّ متنكِّرًا، فقال: أيُّها الشّيخ ما معنى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اتّقوا فراسة المؤمن، فإنّه ينظر بنور الله»، فأطرق الجنيد، ثمّ رفع إليه رأسه وقال: أسلِمْ فقد حانَ وقتُ إسلامك. فأسلم الغلام (٣).
ويقال في بعض الكتب القديمة: إنّ الصِّدِّيق لا تُخطئ فراستُه (٤).
وقال ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -: أفرسُ النّاس ثلاثةٌ: العزيز في يوسف، حيث قال لامرأته:{أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا}[يوسف: ٢١]. وابنة شعيبٍ حين قالت لأبيها في موسى:{اسْتَأْجِرْهُ}[القصص: ٢٦]. وأبو بكرٍ في عمر حيث استخلفه. وفي روايةٍ أخرى: وامرأة فرعون حين قالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}[القصص: ٩](٥).
(١) «الرسالة القشيرية» (ص ٥١٩). (٢) المصدر نفسه (ص ٥١٩). وأورده الكلاباذي في «التعرف» (ص ٨). (٣) المصدر نفسه (ص ٥٢٧). (٤) المصدر نفسه (ص ٥٢٤). وانظر: «إحياء علوم الدين» (٢/ ٢٩٤). (٥) أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (٣/ ٢٧٣)، والحاكم في «المستدرك» (٣/ ٩٠)، والبيهقي في «الاعتقاد» (٢٠٧)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٤٤/ ٢٥٥). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.