وسمعت بعض الشُّيوخ يقول (٢): لو قال ملكٌ لغلامَين له بين يديه، مستغرقَين في مشاهدته والإقبال عليه: اذهبا إلى بلاد عدوِّي، فأوصلا إليهم هذه الكتب، وطالعاني بأحوالهم، وافعلا كيت وكيت؛ فأحدهما مضى (٣) لوجهه وبادر ما أُمِر به؛ والآخر قال: أنا لا أدع مشاهدتك، والاستغراقَ فيك (٤)، ودوامَ النظر إليك، وأشتغلَ (٥) بغيرك= لكان هذا جديرًا بمقت الملك له، وبغضه إيَّاه، وسقوطه من عينه؛ إذ هو واقفٌ مع مجرَّد حظِّه من الملك، لا مع مراد الملك منه، بخلاف صاحبه (٦).
وسمعته أيضًا يقول: لو أنَّ شخصين ادَّعيا محبَّة محبوبٍ، فجاءا حتى حضرا بين يديه، فأقبل أحدهما على مشاهدته والنظر إليه فقط، وأقبل الآخر على استقراء مراداته ومراضيه وأوامره ليمتثلها؛ فقال: ما تريدان؟ فقال أحدهما: أريد دوام مشاهدتك والاستغراقَ في جمالك، وقال الآخر: أريد تنفيذ أوامرك وتحصيلَ مراضيك، فمرادي منك ما تريده منِّي (٧)، والآخر قال: مرادي منك تمتُّعي بمشاهدتك؛ أكانا عنده سواءً؟ ومن هو صاحب
(١) «القشيرية» (ص ٤٤٨). (٢) وقد سبق أن ذكر المؤلف نحو هذا المثال في (١/ ٤٠٥ - ٤٠٦). (٣) زاد في ع: «من ساعته». (٤) «فيك» من ج، ن. (٥) ع: «ولا أشتغلُ»، لم يفهم السياق فزاد حرف النفي. (٦) ع: «صاحبه الأول». (٧) زاد في ع: «لا ما أريده أنا منك».