قال الإمام: لو فهمتِ الصحابةُ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حدًا محدودًا في الخمر، لما عملت فيه برأيها، ولا خالفته، كما لم تفعل ذلك في سائر الحدود، ولعلهم فهموا أنه -عليه الصلاة والسلام- فعل ذلك على موجب اجتهاده فيمن فعل ذلك فيه (١).
قلت: وقد نقلوا الإجماعَ على أنه لا يُقتل إذا تكرر منه الشربُ، إِلَّا أن (٢) طائفة شذت، فقالت: يُقتل بعد حده أربعَ مرات؛ للحديث الوارد في ذلك (٣).
وأجيب عن هذا: بأن الحديث منسوخ عند العامة بقوله -عليه الصلاة والسلام-: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ" الحديث (٤)(٥)، وبحديث النُّعَيْمان، وأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حدَّه ثلاثَ مرات،
(١) انظر: "المعلم" للمازري (٢/ ٣٩٧)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (٥/ ٥٤٠). (٢) "أن" ليس في "ت". (٣) روى أبو داود (٤٤٨٤)، كتاب: الحدود، باب: إذا تتابع في شرب الخمر، والنسائي (٥٦٦٢)، كتاب: الأشربة، باب: ذكر الروايات المغلظات في شرب الخمر، وابن ماجة (٢٥٧٢)، كتاب: الحدود، باب: من شرب الخمر مرارًا، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا بلفظ: "إذا سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلوده، ثم إن سكر فاجلوده، فان عاد الرابعة فاقتلوه". وقد جاء عند داود قتله في الخامسة من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-. وذكر ابن حزم في "المحلى" (١١/ ٣٦٦): أنه لا يصح، وإنما الصحيح في الرابعة. وانظر: "علل الترمذي" (٢/ ٦٠٨). (٤) "الحديث" ليس في "ت". (٥) تقدم تخريجه.