فيه بعد موته -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبعد دفنه ودفنِ أبيها أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-، فلما طُعن عمرُ -رضي اللَّه عنه-، أرسل إليها ابنَه عبدَ اللَّه يستأذنها في أن يُدفن عند صاحبيه، فأذنتْ له، فدُفن فيه، فلم تدخل عائشةُ -رضي اللَّه عنها - بعد دفن عمر -رضي اللَّه عنه- إلا محتجبةً، معاملةً له ميتًا معاملَتَه حيًا، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما مات في هذه البقعة الشريفة، حُوِّلَ فِراشهُ، وحُفر له مكانه، ودُفن فيه بعدَ غسله وتكفينه والصلاة عليه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
و (١) روى محمدُ بنُ سعدٍ بسنده عن هشام بن عروةَ، عن أبيه، قال: لما قُبض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، جعل أصحابه (٢) يتشاورون: أين يدفنونه (٣)؟ فقال أبو بكر: ادفنوه حيث قبضه اللَّه عز وجل، فرُفع الفِراش، فدُفن تحته (٤).
وروي -أيضًا- عن معن بن عيسى، عن مالك: أنه بلغه: أن رسولَ اللَّه-صلى اللَّه عليه وسلم- لما تُوفي، قال ناسٌ: عند المنبر، وقال آخرون: بالبقيع، فجاء أبو بكر، فقال: سمعتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول:"مَا دُفِنَ نبِيٌّ إِلَّا في مَكَانِهِ الَّذِي قَبَضَ اللَّهُ نَفْسَهُ فِيهِ"(٥)، فَأُخِّرَ (٦) رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المكان
(١) الواو ليست في "ق". (٢) في "ت": "الصحابة". (٣) في "ت": "يدفنوه". (٤) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٢/ ٢٩٢). (٥) رواه الإِمام مالك في "الموطأ" (١/ ٢٣١)، ومن طريقه: ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٢/ ٢٩٣). قال ابن عبد البر في "التمهيد" (٢٤/ ٣٩٤): هذا الحديث لا أعلمه يروى على هذا النسق بوجه من الوجوه غير بلاغ مالك هذا, ولكنه صحيح من وجوه مختلفة وأحاديث شتى. (٦) في "ت": "فأخبر" وفي "ق": "فأخذ".