فأمّا "أفعِلَةُ"، فنحوُ قولهم:"سِقاءٌ"، و"أسْقِيَةٌ"، و"أساقِ". والسقاءُ: القِرْبَةُ. إلَّا أن القربة للماء، والسقاء للبن وللماء، والنحْي للسمن، والوَطْب للبن. فهذه الأسماءُ من أبنية القلة، فلمّا أرادوا التكثير، جمعوه، وشبهوا "أفْعُلَ" بـ"أفْعَلَ"، نحوِ:"أرْنَبٍ"، فجمعوه جمعَه؛ لأنه على أربعة أحرف مثلُه. واختلافُ الحركات لا أثرَ لها في جمع الرباعي. ألا ترى أنك تقول في "جعْفَرٍ": "جَعافِرُ"، وفي "زِبْرِج": "زبارج"، وفي "بُرْثُن": "بَراثِنُ"، فتجمع الرباعي كله على منهاج واحد، وإن اختلفت أبنيتُه. كذلك ها هنا قالوا:"أواطِبُ"، و"أياد"، كما قالوا:"أرانِبُ"، و"أفاكِلُ"؛ وإن اختلفا في الحركة.
وقد قالوا:"سِوارٌ" للواحد من "أسْوِرَة" المرأة، و"أسِورةٌ" لأدنى العدد، وقد جمعوا"أسورة"، فقالوا:"أساوِرُ". وفي الكتاب العزيز:{يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ}(١) وقد يُدْخلون عليه التاء لتأنيث الجمع، فيقولون:"أساوِرَةٌ" على حد قولهم: "حِجارَة"، و"ذُكُورَة". قال الله تعالى:{فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ}(٢). شبهوا "أفْعِلَةَ" بـ "أفْعَلَةَ"، نحو" أرْمَلَةٍ"، فجمعوه جمعه، فقالوا:"أساوِرُ"، كما قالوا:"أرامِلُ". وقال أبو عمرو بن العَلاء: قد يكون "أساوِرُ" جمعَ: "أُسْوارٍ"، فعلى هذا لا يكون من جمع الجمع، ويكون أصله "أساوِيرَ"، وحُذفت الياء تخفيفًا على حد حذفها في "العَواوِر".
فأما "أفْعالٌ"، فنحو قولهم:"أنْعامٌ" في جمع "نَعَم"، والنعَمُ: المال الراعية، واستعمالُه في الإبل أكثرُ، وهو لفظُ مفرد دل على الجمع، لا واحدَ له من لفظه، ويجمع في القلة على "أنْعام". فإذا جمعوا هذا الجمع للتكثير، قالوا:"أناعِيمُ"، فـ "أناعيمُ"، على هذا جمعُ الجمع، فلو قال له:"عندي أناعيمُ" فأقل ما يلزم به سبعةٌ وعشرون من ذلك النوع؛ لأنّ النعم جمع من جهة المعنى، وأقل ما ينطلق عليه اسم الجمع ثلاثة، فإذا جمعتَ، وقلت:"أنْعام"، فإن أقل تضعيفها ثلاثُ مرّات، فتصير تسعة، فإذا جمعت "أنعامًا"، وكان المراد باقلها تسعة، كان أقل تضعيفها ثلاث مرَّات، فتصير سبعة وعشرين، وعلى هذا لو قلت: سمعت أقاوِيلَ، لكان أقل ذلك سبعة وعشرين قولًا. و"أفْعال" ها هنا محمول في الجمع على "إفعالٍ"، نحو:"إكْرام "، و"إحْسانٍ"، كما كان "أفْعُلُ" محمولًا على "أفْعَلَ"، نحوِ:"أرْنَبٍ"، و"أفعِلَةُ"، محمولاً على "أفْعَلَةَ"، نحوِ "أرمَلَة".