ومن العرب من يبدل هاءه همزة، فيقول:"أَيْهاتَ". قال جرير [من الكامل]:
أَيْهاتَ مَنْزِلُنا بِنَعْفِ سُوَيْقَةٍ ... كانت مُباركَةً منَ الأيامِ (١)
والهمزة قد تُبدَل من الهاء، قالوا:"ماءٌ"، و"شاءٌ"، والأصلُ: مَوَهٌ، وشَوَهٌ، وكان ذلك لضرب من التَقاصّ لكثرةِ إبدال الهاء من الهمزة. ألا تراهم قالوا:"هِنْ فعلتَ فعلتُ"، والمراد:"إن"، وقالوا:"هنرت الثَّوْبَ" في "أنرتُه"، وقالوا:"هرحتُ الدابّةَ"، والمراد: أرحتُها، فعوضوا الهمزة من الهاء لكثرة دخول الهاء عليها؟ وقالوا:"أيْهاكَ" فأبدلوا من الهاء الهمزة.
ولمّا حذفوا التاء من "هيهات" لما ذكرنا من إرادة تذكير لفظها، أدخلوا كاف الخطاب، فقالوا:"أيْهاكَ" على حدّها في "ذَاكَ"، و"النَّجاءكَ". ويجوز أن تكون الكاف اسمًا في محلِّ خفض بالإضافة، وتُخلَص "هَيْهَا" اسمًا معربًا بمعنى البُعْد. ويُؤنس بذلك قراءةُ من قرأ:"هيهاتٌ" بالرفع والتنوين في أحد الوجهين، وممّا يُؤنس باستعمالهم في هذا اللفظ اسما معربا قولُ رُؤْبَةَ [من الرجز]:
٥٩١ - هَيْهاتَ مِن مُنْخَرَق هيهاؤُه (٢)
فهو كقولهم:"بَعُدَ بُعْدُه"، و"جُنَّ جُنُونُه"، للمبالغة. فـ "هَيْهَاءة"، "فَعْلالَةٌ" كـ"زَلْزالَة"، والهمزةُ فيه بدل من الياء؛ لأنه رباعي على ما تقدم، وقالوا:"أَيْهان"، و"أَيْهَا" كما قالوا: "هَيْهَانَ" و"هَيْهَا". وقوله:"إن المفتوحة مفردة" قد تقدم الكلام عليه إلى آخر الفصل.
[فصل [معني "شتان"]]
قال صاحب الكتاب: المعنى في "شتان" تباين الشيئين في بعض المعاني والأحوال, والذي عليه الفصحاء "شتان زيد وعمرو" و"شتان ما زيد وعمرو". وقال [من السريع]:
شتان ما يومي على كورها ... ويوم حيّان أخي جابر (٣)
(١) تقدم بالرقم ٥٣٢. ٥٩١ - التخريج: الرجز لرؤبة في ديوانه ص ٤؛ والمحتسب ٢/ ٩٣؛ وبلا نسبة في الخصائص ٣/ ٤٣. الإعراب: "هيهات": اسم فعل ماض بمعنى: بَعُدَ مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. "من منخرق": جار ومجرور متعلقان باسم الفعل. "هيهاؤه": فاعل "هيهات" مرفوع بالضمة، وهو مضاف، والهاء: ضمير متصل مبني في محل جرّ مضاف إليه. وجملة "هيهات هيهاؤه": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. والشاهد فيه قوله: "هيهات هيهاؤه" حيث جاء بالفاعل من جنس اسم الفاعل طلبا للمبالغة. (٢) في الطبعتين "هيهاءه"، وهذا خطأ. والتصحيح عن جدول التصحيحات الملحق بطبعة ليبزغ. ص ٩٠٨. (٣) تقدم بالرقم ٥٣٥.