قالوا: معناه قلبتم ظهر المجنّ لنا. وأمّا أصحابنا، فلا يرون زيادة هذه الواو، ويتأوّلون جميعَ ما ذُكر وما كان مثله بأن أجْوِبَبها محذوفةٌ لمكان العلم بها، والمراد:{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}(١)، أدرك ثوابَنا ونال المنزلةَ الرفيعةَ لدينا. وكذلك قوله:{حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}(٢)، تقديره: صادفوا الثواب الذي وُعدوه، ونحوُه. وكذلك قول الشاعر: حتى إذا امتلأت بطونكم وكان كذا وكذا، تَحقق منكم الغدرُ، واستحققتم اللَّوْم، ونحوُ ذلك مما يصلح أن يكون جوابًا، فاعرفه إن شاء الله.
فصل [الفاء و"ثمَّ" و"حتي"]
قال صاحب الكتاب: و"الفاء" و"ثم" و"حتى" تقتضي الترتيب، إلا أن الفاء توجب وجود الثاني بعد الأول بغير مهلة، و"ثم" توجبه بمهلة, ولذلك قال سيبويه (٣): "مررت برجل ثم امرأة"، فالمرور ههنا مروران، ونحو قوله تعالى:{وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا}(٤). وقوله:{وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى}(٥) محمول على أنه لما أهلكها حكم بأن البأس جاءها، وعلى دوام الاهتداء وثباته.
* * *
= فعل ماضِ مبني على الفتح، وتاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الإعراب. "بطونكم": فاعل مرفوع بالضمة، و"كم" ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. "ورأيتم": الواو عاطفة، و"رأيتم": فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء المتحركة في محل رفع فاعل، والميم للجماعة. "أبناءكم": مفعول به منصوب بالفتحة، و"كم": ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. "شبّوا": فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والألف للتفريق. "وقلبتم": الواو زائدة، و"قلبتم": فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء المتحركة ضمير منصل في محل رفع فاعل، والميم للجماعة. "ظهر": مفعول به منصوب بالفتحة. "المجنّ": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "لنا": جار ومجرور متعلقان بالفعل قلبتم. "إن": حرف مشبه بالفعل. "الغدور": اسم "إن" منصوب بالفتحة. "الفاحش": خبر إن مرفوع بالضمة. "الخبّ": خبر ثانٍ مرفوع بالضمة. وجملة "إذا امتلأت ... ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "امتلأت": في محل جرّ بالإضافة. وجملة "رأيتم": معطوفة على سابقتها في محل جرّ. وجملة "شبّوا": في محل نصب حال. وجملة "قلبتم": جملة جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. وجملة "إن الغدور الفاحش": استئنافية لا محل لها من الإعراب. والشاهد فيه قوله: "وقلبتم ظهر المجن لنا" التقدير: قلبتم، والواو زائدة، والجملة جواب للشرط. (١) الصافات: ١٠٣. (٢) الزمر: ٧٣. (٣) الكتاب: ١/ ٤٣٨. (٤) الأعراف: ٤. (٥) طه: ٨٢.