قال الشارح: وقد تزاد "أن" المفتوحةُ أيضًا توكيدًا للكلام، وذلك بعد "لَما" في قولك: "لما أن جاء زيدٌ قمتُ"، والمراد: لما جاء زيدٌ قمتُ. قال الله تعالى:{وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ}(١)، فـ "أنْ" فيه مؤكدةٌ بدليل قوله تعالى في سورة هُودِ: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ}(٢)، والقصةُ واحدة. وقالوا:"أمَا واللهِ أنْ لو فعلتَ لَفعلتُ"، وذلك في القسم إذا أُقسِم على شيء في أوّله، فيقع في جواب القسم، ولا يقع جوابًا له في غير ذلك، فاعرفه.
[فصل [زيادة "ما"]]
قال صاحب الكتاب: و"غضبت من غير ما جُرم"، و"جئت لأمر ما"، و"إنما زيدًا منطلق"، و"أينما تجلس أجلس"، و"بعين ما أرينك"(٣). وقال تعالى:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}(٤)، وقال تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ}(٥)، وقال تعالى:{عما قليل}(٦)، وقال تعالى:{أيما الأجلين قضيت}(٧)، وقال:{وإذا ما أنزلت سورة}(٨)، وقال:{مثل ما أنكم تنطقون}(٩).
* * *
قال الشارح: قد زيدت "ما" في الكلام على ضربين: كافةً، وغير كافة. ومعنى الكافة أن تكف ما تدخل عليه عما كان يُحدِث فيه قبل دخولها من العمل. وقد دخلت كافة على الكلم الثلاث: الحرفِ والاسمِ والفعلِ.
أمّا دخولُها على الحرف للكف، فعلى ضربين: أحدُهما أن تدخل عليه، فتمنعه العملَ الذي كان له قبلُ، وتدخل على ما كان دخل عليه قبل الكف غيرَ عامل فيه، نحوَ قوله تعالى:{إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}(١٠)، و {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}(١١) و "كأنما زيدٌ أسدٌ"، و"لَعَلَّمَا أنتَ حالمٌ"(١٢). والآخرُ أن تدخل على الحرف، وتكفه عن عمله، وتُهيِّئه للدخول على ما لم يكن يدخل عليه قبل الكف. وذلك نحو قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ
(١) العنكبوت: ٣٣. (٢) هود: ٧٧. (٣) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في جمهرة الأمثال ١/ ٢٣٦؛ وخزانة الأدب ١١/ ٤٠٣؛ ولسان العرب ١٣/ ٣٠١ (عين)؛ ومجمع الأمثال ١/ ١٠٠؛ والمستقصى ٢/ ١١١. (٤) النساء: ١٥٥. (٥) آل عمران: ١٥٩. (٦) المؤمنون: ٤٠. (٧) القصص: ٢٨. (٨) التوبة: ١٢٧. (٩) الذاريات: ٢٣ (١٠) النساء: ١٧١. (١١) النازعات: ٤٥. (١٢) هذا القول جزء من بيت، وقد تقدم بالرقم ١٠٩٩.