قال صاحب الكتاب: وأما "أن" المفسرة, فلا تأتي إلا بعد فعل في معنى القول, كقولك:"ناديته أن قم"، و"أمرته أن اقعد"، و"كتبت إليه أن ارجع", وبذلك فُسّر قوله عز وجل:{وانطلق الملأ منهم أن امشوا}(١)، وقوله تعالى:{وناديناه أن يا إبراهيم}(٢).
* * *
قال الشارح: وقد تكون "أنْ" بمعنَى "أيْ" للعبارة والتفسير، وذلك أحدُ أقسامها، نحوُ قوله تعالى:{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا}(٣)، معناه: أي امْشُوا؛ لأنّ انطلاقهم قام مقام قولهم:"امشوا"، ولهذا فُسِّر به. وقد اختلفوا في معنى المشي في الآية، فقال قوم: المراد بالمشي النَّماءُ والكثرةُ، كما قال الحُطَيْئة [من الوافر]:
١١٦٣ - فَمَا مَن وَسْطَهُمْ وُيقِيمُ فيهم ... وَيمْشِي إن أُرِيدَ به المَشاءُ
والذي عليه الأكثرُ أن المراد بالمشي الحركةُ السريعةُ؛ لئلا يسمعوا القرآنَ وكلامَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ويُعاينوا بَراهِينَه. والذي يدل على ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ
(١) ص:٦ (٢) الصافات: ١٠٤. (٣) ص:٦. ١١٦٣ - التخريج: البيت للحطيئة في ديوانه ص٥٥؛ ولسان العرب ١٥/ ٢٨٢ (مشى)؛ وتهذيب اللغة ١١/ ٣٤٩؛ وتاج العروس (مشى)، وبلا نسبة في المخصص ١٢/ ٢٧٨. اللغة والمعنى: المشاء: الكثرة والنماء. أراد: ليس القائد موجودًا وسطهم، يحكمهم ويسير بهم نحو الخير الوفير. الإعراب: "فما": الفاء: بحسب ما قبلها، "ما": نافية عاملة عمل "ليس". "من": اسم موصول مبني في محلّ رفع اسم "ما". "وسطهم": مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة، متعلّق بفعل محذوف، بتقدير: فما من حل وسطهم، وهو مضاف، و"هم": ضمير متصل مبني في محل جرّ مضاف إليه. "ويقيم": الواو: حرف عطف، "يقيم": فعل مضارع مرفوع بالضمّة، وفاعله ضمير مستتر جوازًا تقديره: هو. "فيهم": جارّ ومجرور متعلّقان بالفعل قبلهم. "ويمشي": الواو: حرف عطف، "يمشي": فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء للثقل، وفاعله ضمير مستتر جوازًا تقديره: هو."إن": حرف شرط جازم. "أريد": فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح. "به": جارّ ومجرور متعلّقان بالفعل قبلهما. "المشاء": نانب فاعل مرفوع بالضمّة. وجملة "فما من .. ": بحسب الفاء. وجملة "حلّ" المحذوفة: صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "يقيم": معطوفة عليها، وكذلك جملة "يمشي": لا محل لها من الإعراب. وجملة "أريد به المشاء": في محل جزم فعل الشرط. والشاهد فيه قوله: "إن أريد به المشاء" حيث أراد الكثرة والنماء، لا المسير العادي.