الترمذي:«قال الشافعي: هذا أحسن شيءٍ في الباب وأقيس»(١)، وهو صريحٌ في الحكم، وفيه جمع بين الأحاديث، وبيان المختلف منها، فإن ترك النبي ﷺ للأكل مما أهدي له يحتمل أن يكون لعلمه أنه صيد من أجله، أو توهم ذلك وظنه، ويتعين حمله على ذلك لما ذكرنا، ولما تقدم من حديث أبي قتادة أن النبي ﷺ قال:«هل منكم أحد أمره أو أشار إليه؟ قالوا: لا. قال: فكلوا» متفق عليه (٢)، قال الترمذي في حديث الصعب بن جثامة:«قال الشافعي في رد النبي ﷺ عليه حمار الوحش إنما رده عليه لما أنه صيد من أجله»(٣).
وروى مالك في موطئه: «أن رسول الله ﷺ خرج يريد مكة وهو محرم، حتى إذا كان بالروحاء (٤) إذا حمارٌ وحشي عقير، فجاء البَهزيُّ (٥) وهو صاحبه، فقال يا رسول الله: شأنكم بهذا الحمار، فأمر رسول الله ﷺ أبا بكر فقسمه بين الرِّفاق» (٦) وهو حديث صحيح. (٧)
(١) مسند الشافعي ص ١٦٨، جامع الترمذي ٣/ ٢٠٣. (٢) سبق تخريجه قريبًا. (٣) ينظر: الحاشية قبل السابقة. (٤) الروحاء: موضع بين مكة والمدينة قريبة من عمل الفرع، وبينها وبين مدينة رسول الله ﷺ ستة وثلاثون ميلًا، وتبعد الآن قرابة مئة كيلومترًا تقريبًا. ينظر: تهذيب الأسماء واللغات ٣/ ٢٣٣، والمصباح المنير ١/ ٢٤٥. (٥) البهزي هو: زيد بن كعب السلمي، صحابي، ونسبة البهزي إلى قبيلة بهز، وقد اشتَهَر برواية حديث صيده للحمار الوحشي وإهدائه للنبي ﷺ، روى عنه عمير بن سلمة. ينظر: الاستيعاب ٢/ ٥٥٨، والإصابة ٢/ ٦١٩. (٦) أخرجه أحمد في مسنده (١٥٧٨٢) ٣/ ٤٥٢، والنسائي في سننه (٢٨١٨) ٥/ ١٨٢، وصححه ابن حبان في صحيحه ١١/ ٥١٢. (٧) ما قرره المصنف من جواز أكل ما لم يصده المحرم ولم يُصَد له هو المذهب، وهي رواية الجماعة عن الإمام. ينظر: الكافي ٢/ ٣٦٣، وشرح العمدة ٤/ ٦٠٢، والفروع ٥/ ٤٧٧، والإنصاف ٨/ ٢٨٥، وكشاف القناع ٦/ ١٤٨.