وقال سعيد بن المسيب:«هو من فروض الأعيان»(١)؛ لقوله سبحانه: ﴿انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً﴾ إلى قوله: ﴿إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ﴾ [التوبة: ٣٩ - ٤١]، وقوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٦].
ولنا: قول الله سبحانه: ﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [النساء: ٩٥]، وهذا يدلُّ على أن القاعدين غير مأثومين مع جهادِ غيرهم.
والآية التي احتج بها قال ابن عباس:«نسخها قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً﴾ [التوبة: ١٢٢]»(٢) رواه الأثرم وأبو داود، ويحتمل أنه أراد حين استنفرهم النبي ﷺ في غزوة تبوك (٣). (٤)
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ٤/ ٢٣٠، وعبد الرزاق في مصنفه ٥/ ١٧١ (٢) لم أجده في المطبوع من سنن الأثرم، وأخرجه أبو داود في سننه (٢٥٠٥) ٣/ ١١، وحسنه ابن حجر في الفتح ٦/ ٣٨. (٣) استنفار النبي ﷺ أصحابه لغزوة تبوك مشهور، أخرج البخاري جزءًا منه في صحيحه (٤١٥٦) ٤/ ١٦٠٣، ومسلم في صحيحه (١٦٤٩) ٣/ ١٢٦٩. (٤) ما قرره المصنف من أن الأصل في الجهاد أنه فرض كفاية لا خلاف فيه بالمذهب، وهو كذلك في المذاهب الأخرى خلافًا لقول سعيد بن المسيب. ينظر: بدائع الصنائع ٧/ ٩٧، والهداية شرح البداية ٢/ ١٣٥، وحاشية ابن عابدين ٤/ ١٢٣، والكافي لابن عبد البر ص ٢٠٥، وشرح مختصر خليل ٣/ ١٠٨، والشرح الكبير للدردير ٢/ ١٧٣، والأم ٤/ ١٦٧، والمهذب ٢/ ٢٧٧، وروضة الطالبين ١٠/ ٢٠٨، والكافي ٥/ ٤٥٣، والإنصاف ١٠/ ٦، وكشاف القناع ٧/ ٥.