قلت: إنّ قول النحويّين: هذا الجارّ متعلّق بهذا الفعل، يريدون أنّ العرب وصلته به، واستمرّ سماع ذلك منهم، فقالوا: رغبت فى زيد، ورضيت عن جعفر، وعجبت من بشر، وغضبت على بكر، ومررت بخالد، وانطلقت إلى محمد، وكذلك قالوا: حسدت زيدا على علمه وعلى ابنه، ولم يقولوا: حسدته من ابنه، وكذلك «وددت» لم يعلّقوا به «من»، فثبت بهذا أنّ قوله:{مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} لا يتعلّق ب {حَسَداً} ولا ب {وَدَّ}، ولكنه يتعلّق بمحذوف يكون وصفا لحسد، أو وصفا لمصدر {وَدَّ}، فكأنه قيل: حسدا كائنا من عند أنفسهم، أو ودّا كائنا من عند أنفسهم.
وقال فى قوله:{كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}(١) و {كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}(٢): الكاف فى الموضعين فى موضع نصب، نعت لمصدر محذوف، أى قولا مثل ذلك قال الذين لا يعلمون، وقولا مثل ذلك قال الذين من قبلهم، ثم قال: ويجوز أن يكونا فى موضع رفع على الابتداء، وما بعد ذلك الخبر (٣). انتهى كلامه.
وأقول: لا يجوز أن يكون موضع الكاف فى الموضعين رفعا كما زعم؛ لأنك إذا قدّرتها مبتدأ احتاجت إلى عائد من الجملة، وليس فى الجملة عائد.
فإن قلت: أقدّر العائد محذوفا، كتقديره فى قراءة من قرأ:«وكلّ وعد الله الحسنى»(٤) أى وعده الله، فأقدّر: كذلك قاله الذين لا يعلمون، وكذلك قاله الذين من قبلهم. لم يجز هذا؛ لأنّ {قالَ} قد تعدّى إلى ما يقتضيه من منصوبه، وذلك قوله {مِثْلَ قَوْلِهِمْ} فلا يتعدّى إلى منصوب آخر (٥).
(١) سورة البقرة ١١٣. (٢) سورة البقرة ١١٨. (٣) المشكل ١/ ٦٩ (دمشق)،١/ ١٠٩ (بغداد). (٤) سورة الحديد ١٠، وراجع توجيه هذه القراءة فى المجلس الأول. (٥) حكاه ابن هشام فى المغنى ص ١٧٩، قال: «وردّ ابن الشجرى ذلك على مكّىّ بأنّ قالَ قد استوفى معموله وهو مِثْلَ، وليس بشىء؛ لأنّ مِثْلَ حينئذ مفعول مطلق أو مفعول به ليعلمون، والضمير المقدّر مفعول به ل قالَ. وانظر مقالة الدكتور فرحات.