أتيت النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم في المسجد، فقال الناس: هذا عديّ بن حاتم. قال: وجئت بغير أمان ولا كتاب، وكان قال قبل ذلك: إني لأرجو اللَّه أن يجعل يده في يدي، فقام فأخذ بيدي، فلقيته امرأة وصبيّ معها، فقالا: إنا لنا إليك حاجة، فقام معهما حتى قضى حاجتهما، ثم أخذ بيدي حتى أتى إلى داره، فألقت إليه الوليدة وسادة فجلس عليها، وجلست بين يديه، فقال:
«هل تعلم من إله سوى اللَّه؟» قلت: لا. ثم قال:«هل تعلم شيئا أكبر من اللَّه؟» قلت: لا.
وروى أحمد والبغويّ في معجمه وغيرهما من طريق أبي عبيدة بن حذيفة، قال: كنت أحدّث حديث عدي بن حاتم، فقلت: هذا عدي في ناحية الكوفة، فأتيته، فقال: لما بعث النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم كرهته كراهية شديدة، فانطلقت حتى كنت في أقصى الأرض مما يلي الروم، فكرهت مكاني أشدّ من كراهته، فقلت: لو أتيته، فإن كان كاذبا لم يخف عليّ، وإن كان صادقا اتبعته. فأقبلت، فلما قدمت المدينة استشرفني الناس، فقالوا: عدي بن حاتم. فأتيته فقال لي:«يا عديّ، أسلم تسلم»«٣» . قلت: إني لي دينا. قال:«أنا أعلم بدينك منك، ألست ترأس قومك؟» قلت: بلى «٤» . قال:«ألست تأكل المرباع «٥» ؟» «٦» قلت: بلى. قال:
«فإنّ ذلك لا يحلّ لك في دينك» . ثم قال:«أسلم تسلم. قد أظن أنّه إنما يمنعك غضاضة تراها ممّن حولي، وإنّك ترى النّاس علينا إلبا «٧» واحدا» . قال:«هل أتيت الحيرة؟» قلت:
لم آتها، وقد علمت مكانها. قال:«يوشك أن تخرج الظّعينة منها بغير جواز حتّى تطوف بالبيت، ولتفتحنّ علينا كنوز كسرى بن هرمز» . فقلت: كسرى بن هرمز؟ قال:«نعم.
وليفيضنّ المال حتّى يهمّ الرّجل من يقبل صدقته» .
قال عدي: فرأيت اثنتين: الظعينة.
وكنت في أول خيل أغارت على كنوز كسرى، وأحلف باللَّه لتجيئنّ الثالثة. وآخر الحديث عند البخاري من وجه آخر.
(١) في أ: ضلال. (٢) أخرجه الطبراني في الكبير ١٧/ ٩٩. (٣) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣/ ٤٦ وقال صحيح على شرط مسلم قال الهيثمي في الزوائد ٥/ ٣٠٨ رواه الطبراني ورجالة رجال الصحيح، وأحمد في المسند ١/ ٢٦٣، وابن حبان في صحيحه حديث رقم ٢٢٨٠، والبيهقي في السنن الكبرى ٩/ ١٧٨، كنز العمال حديث رقم ٣٠٤، ٣٠٥. (٤) في أ: قلت بلى: قال ألست ركوبيا؟ ألست تأكل ... (٥) في أ: الدماغ. (٦) المرباع: الربع من الغنيمة كان يأخذه الملك في الجاهليّة دون أصحابه. النهاية ٢/ ١٨٦. (٧) الإلب بالفتح والكسر: القوم يجتمعون على عداوة إنسان، وقد تألّبوا: أي اجتمعوا. النهاية ١/ ٥٩.