فهل يستبيح عاقل منصف أن يقول: إن الصّحابة الذين سمعوا هذه النّصائح وتلك الزّواجر يقدمون على كذب في القرآن والسّنّة أو يقصرون في التّثبّت والتّحرّي والاحتياط..؟!!
العامل الثّالث:
أمر الإسلام لهم بالصّدق ونهاهم عن الكذب إطلاقا فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [ (١) ] .
ففي هذا إشارة إلى أن الصدق من مقتضيات الإيمان، ويفهم منه أن الكذب سبيل الكفر والطغيان، وقد صرح اللَّه سبحانه بذلك في قوله: إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ [ (٢) ] .
ويقول النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم:«عليكم بالصّدق فإنّه من البرّ وهما في الجنّة، وإيّاكم والكذب فإنّه من الفجور وهما في النّار» [ (٣) ] .
وفي الكتاب والسّنّة أضعاف أضعاف ما ذكر في الموضوع فهل بعد ذلك ترضى هذه الطبقة- الصحابة- أن تركب رأسها وتنكص على أعقابها فتكذب على اللَّه ورسوله أو لا تتحرى الصدق في كتاب اللَّه وسنة رسوله!! ذلك شطط بعيد لا يجوز إلا على عقول المغفلين.
العامل الرّابع:
أن الصّحابة- رضوان اللَّه عليهم- كانوا مغرمين بالتّفقه والتعلّم مولعين بالبحث والتنقيب، مشغوفين بكلام اللَّه وكلام رسوله
روى البخاريّ ومسلم أن ابن مسعود قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «اقرأ عليّ القرآن» [ (٤) ] قلت: يا رسول اللَّه أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال:
[ (١) ] [التوبة: ١١٩] . [ (٢) ] النحل: ١٠٥. [ (٣) ] أخرجه ابن ماجة في السنن ٢/ ١٢٦٥ كتاب الدعاء (٣٤) باب الدعاء بالعفو والعافية (٥) حديث رقم ٣٨٤٨ وأحمد في المسند ١/ ٣، ٥- والحميدي في مسندة ٧ وابن حبان في الموارد حديث رقم ١٠٦ والبخاري في الأدب المفرد ٧٢٤- وابن عساكر ٣/ ١٥٦. [ (٤) ] متفق عليه أخرجه البخاري في الصحيح ٨/ ٢٥٠ كتاب التفسير (٦٥) تفسير سورة النساء (٤) باب فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد (٩) حديث رقم ٤٥٨٢، وفي ٩/ ٩٣ كتاب فضائل القرآن (٦٦) باب من أحب أن يستمع القرآن من غيره (٣٢) حديث رقم (٥٠٤٩) وفي ٩/ ٩٤ باب قول المقرئ للقارئ حسبك (٣٣) حديث (٥٠٥٠) وأخرجه مسلم في الصحيح ١/ ٥٥١ كتاب الصلاة المسافرين (٦) باب فضل استماع القرآن ... (٤٠) حديث رقم (٢٤٧/ ٨٠٠) ، (٢٤٨/ ٨٠٠) والترمذي في السنن ٥/ ٢٢٢ كتاب