للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي لفظ: "جاء ناس من أصحاب النبي ، فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: "وقد وجدتموه؟ " قالوا: نعم، قال: "ذاك صريح الإيمان" (١)، وكأنه كان يتوقع أن يحصل لهم ذلك، وما كان النبي ليحمد الله ﷿ إلا لأمر محل حمد، وهو صريح الإيمان. وليس ذلك وصفًا للوسوسة، فلا يمكن أن تكون الوسوسة محض الإيمان، أو صريح الإيمان، فالوسوسة من الشيطان، ولكن محض الإيمان وصريحه هو: استشناعهم، وانزعاجهم، من هذا الذي وقع في نفوسهم، فذلك دليل على صراحة الإيمان في قلوبهم. فإذا هجم على قلب المسلم شيء من ذلك، ووجد في نفسه انزعاجًا، وألماً، وتمنى أن لو يخر من السماء أحب إليه من أن ينطق به، فليعلم أن ذلك دليل على صراحة الإيمان في قلبه، فليحمد الله .

أما إذا كان يسترسل معه، ويستروح له، ويعجبه ذلك، وإذا جلس في مجلس قاءَ غثاءه، وأخرج خبيئة نفسه، وبث وساوسه، فذاك مفتون، زائغ، متبع للمتشابه.

قوله: "قال: في نفسي شيء من القدر، فحدثني بشيء لعل الله يذهبه من قلبي" وهذا يدل على أمور:

- أنه لا ينبغي أن يدع المؤمن في نفسه ريبة، بل يسعى لاستجلائها.

- أنه يقصد أهل الذكر، كما أمر الله، ولا يسأل الجاهلين.

- أن يسر بها، ولا يجهر بها على الملأ، لئلا تنتقل الشبهة إلى أهل العافية.

قوله: "فقال: لو أنفقتَ مثل أحد ذهباً ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مِت على غير هذا، لكنتَ من أهل النار" هذه جمل رصينة محكمة، تُؤثر في النفس، وتثبت القلب، وتكنس ما فيه من شك. وتدل على وجوب الإيمان بالقدر، وأنه لا إيمان لمن لا يؤمن بالقدر، ولا قبول لعمله.


(١) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها برقم (١٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>