للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشهورة (١). قوله: "قال: أتيتُ أبي بن كعب" هو صاحب رسول الله ، وقد تقدمت ترجمته.

قوله: "فقلتُ: في نفسي شيء من القدر" مراده أنه قد وقع في نفسه شك وتردد في مسألة القدر، وهذا أمر طبيعي أن يطيف بقلب المؤمن أحياناً شيء من الشك؛ إما من داخل النفس، وإما من إلقاء الشيطان. وقد جاء رجل لابن عباس، فقال له: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله ما أتكلم به، قال: فقال لي: أشيء من شك؟ قال: وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحد، قال: حتى أنزل الله ﷿ ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ [يونس: ٩٤] (٢)، فقد يؤذي الشيطان ابن آدم بهذه الشكوك. لكن فرق بين الشك العارض، والشبهة المستقرة، فالشك العارض لا يكاد يسلم منه أحد، يطيف بالقلب شيء من الشبهات فيفزع المؤمن إلى المحكمات، ويعتصم بها، ويرد المتشابه إلى المحكم، إلى أن يشرح الله صدره، وينكشف له الأمر، أو يذهب فيسأل أهل الذكر، كما صنع ابن الديلمي. قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣، الأنبياء: ٧]. وإنما يُعاب من احتضن الشبهة، وروّج لها، ودعا إليها، كما فعل صبيغ بن عسل، الذي جاء في زمن عمر، فنفاه عمر من المدينة، وأدبه، في قصة مشهورة (٣). أما شيء يعتري الإنسان دون إرادته، فهذا لا يضره، وقد وقع لبعض أصحاب النبي ، فأتوا إلى النبي وقال قائلهم: "يا رسول الله، إن أحدنا يجد في نفسه، يعرض بالشيء لأن يكون حممة -أي فحمة محترقة- أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: "الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة" (٤)،


(١) سير أعلام النبلاء (٢/ ٣٧٤).
(٢) أخرجه أبو داود في أبواب النوم، باب في رد الوسوسة برقم (٥١١٠) وقال الألباني: "حسن الإسناد".
(٣) الإبانة الكبرى لابن بطة (١/ ٤١٤) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (٤/ ٧٠١) والشريعة للآجري (١/ ٤٨٣).
(٤) أخرجه أبو داود في أبواب النوم، باب في رد الوسوسة برقم (٥١١٢) وصححه الألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>