للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان ظن القلب بالله حسناً، فليبشر، فالله عند ظنه به. ومن ظن بالله ظن السوء، فليبشر بما يسوؤه.

ومن الناس من يسيء الظن بالله تعالى:

- في ذاته، وأسمائه، وصفاته: فيعتقد فيها التمثيل، أو التعطيل، أو يصفه بالنقائص والعيوب، كما قالت اليهود: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: ١٨١]، وقالت: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة: ٦٤] وما أشبه ذلك.

- وفي قدره: بأن يقع في قلبه نقمة وسخط، إذا وقع عليه مصيبة قدرية، وربما فاه لسانه بهذا، وقال: ماذا صنعت؟ ولماذا جرى علي؟ لا أستحق كذا! ونحو ذلك. فهذا سوء ظن بالله، خلاف حال المؤمن الذي وصفه النبي بقوله: "عجبت للمؤمن؛ إن الله لم يقض قضاء إلا كان خيراً له" (٥)؛ وقوله: "عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له" (٦). - وفي شرعه: فيطعن في حكمته، ويقول: لمَ شرع الله كذا؟! لمَ حرم شرب الخمر؟ لمَ الرجم؟ هذا قسوة! فيعترض على الشريعة وينتقدها.

فيجب على العبد أن يمتلئ قلبه ثقة بالله، وحسن ظن به؛ فإن الظن هو خبيئة القلب عن الرب، ولهذا قال إبراهيم لقومه: ﴿فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات: ٨٧] أي: ماذا في قلوبكم عن الله؟ ويقول تعالى لأعدائه إذا حشرهم إلى النار: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [فصلت: ٢٣].

فليفتش الناصح لنفسه مكنون قلبه، ويفحص ظنه بالله، ويتحقق أنه ظن حسن جميل، يجد الله عند ظنه به، وليعتصم بهذه العروة، فإنها توصله إليه .

قوله: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ﴾ أي: المنافقون، والظن في الأصل خلاف اليقين،


(٥) أخرجه أحمد ط الرسالة برقم (١٢١٦٠) وقال محققو المسند: "حديث صحيح".
(٦) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير برقم (٢٩٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>