الثاني: أنه لو كانت هذه القصة في آدم وحواء لكان حالهما: إما أن يتوبا من الشرك، أو يموتا عليه، فإن قلنا: ماتا عليه، كان ذلك أعظم من قول بعض الزنادقة الذين قالوا فيهما قولاً سيئاً، فمن جوز موت أحد من الأنبياء على الشرك، فقد أعظم الفرية، وإن كانا تابا من الشرك، فلا يليق بحكمة الله، وعدله، ورحمته، أن يذكر خطئهما، ولا يذكر توبتهما منه، فهذا ممتنع.
الثالث: أن يقال: إن الأنبياء معصومون من الشرك باتفاق العلماء، ربما وقع منهم خطأ أو صغيرة، لكن لا يقع منهم شرك، ولا كبيرة عمدًا.
الرابع: أنه قد ثبت في حديث الشفاعة الطويل، أن الخلائق تأتي آدم يوم القيامة ليشفع لهم عند ربهم، فيعتذر بالأكل من الشجرة، ولو كانت هذه القصة صحيحة لكان أولى أن يعتذر بها؛ لأنها أشد؛ لتعلقها بأصل الإيمان، فهذا يدل على عدم وجودها بالكلية.
الخامس: قول إبليس فيما ورد في الرواية: "أنا صاحبكم الذي أخرجكما من الجنة" هذا لا يقوله: من يريد الإغواء، فالذي يريد الإغواء يقول قولاً فيه استدراج، مثل ما فعل حينما أراد منهما أن يأكلا من الشجرة، حيث قال لهما: ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ [طه: ١٢٠] فأغراهما إغراءً. ثم إن تصديقه في قوله:"لأجعلن له قرني أيل، فيخرج من بطنك فيشقه، ولأفعلن، ولأفعلن" شرك في الربوبية؛ لأنه لا يملك الخلق، فلا يملك أن يجعل لهذا الجنين قرني أيل، فحاشا آدم وحواء أن يصدقاه في هذه الأكذوبة.
السادس: أن الله ﷾ ختم الآية بضمير الجمع، فقال: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] ولم يقل: "يشركان" بالتثنية، فدل هذا أنه يقع من أزواج متعددين، يكفرون نعمة الله ﷿، ولا يثنون بها على مسديها، فبهذا تسقط هذه الرواية، ولا يُعتد بها. فليت أن المصنف ﵀ لم يذكر هذه الرواية في كتابه، لكن أبى الله إلا أن تكون العصمة إلا لكتابه، وسنة نبيه ﷺ.
وذكر هذه الأوجه -وإن طالت- في نقد هذه الرواية ينشئ لدى طالب العلم