وقد استنكره العلماء المحققون سنداً ومتناً. ومنهم من صرفه عن الأبوين (آدم وحواء) وقد نقل ابن كثير عن الحسن البصري ﵀ أن هذا كان في بعض أهل الملل، ولم يكن بآدم (١). وقال ابن كثير ﵀ بعد قول الحسن:"وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري ﵀ في هذا، والله أعلم، فليس مرجع الضمير لآدم وحواء، بل المشركون من ذريته"(٢). فقد ذكر الله تعالى حالاً يقع فيه بنو آدم، وهو أن الله ﷾ ينعم على الزوجين بالذرية، كما قال: ﴿فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ﴾، وهذا ما يكون في أشهر الحمل الأولى ﴿فَلَمَّا أَثْقَلَتْ﴾ أي: حان زمن الولادة، واشتد التشوف إلى سلامة المولود، كما أن الفلاح يتشوف إلى سلامة زرعه إذا قارب الحصاد، فيخشى أن تصيبه آفة سماوية؛ أو يجتاحه ماء جارٍ يذهب به. ﴿دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ أي: أقسما بالله جهد أيمانهما أن يشكراه إن رزقهما خلقًا سوياً، فهما يخشيان أن يخرج ميتاً، أو خداجاً، أو معيبًا، أو غير ذلك. ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ﴾، وهذا -كما سبق - له صور عديدة، منها: أن يعبداه لغير الله، أو أن ينسبا الفضل للسبب المباشر، وينسيا المسبب، كأن يقولا: بفضل نصيحة فلان، أو لولا الطبيب فلان، وينسيان المنعم الحقيقي، أو أنهما لا يشكران الله ﷿ ظاهرًا أو باطنًا. مع أنهما قبل الولادة، ربما كانا يقومان الليل، ويصومان النهار، ويسألان الله تمام الحال، فلما حصل لهما مرادهما تركا ذلك.
فعلى هذا تفهم الآية، ولا محوج لهذه القصة الخيالية: من أن الشيطان تهددهما بأن يجعل في بطنها قرني أيل، يشقا بطنها. وقد استنكر شيخنا ﵀(٣) هذه القصة من وجوه متعددة، فقال ﵀: هذه القصة باطلة من وجوه:
الأول: ليس في ذلك خبر صحيح عن النبي ﷺ، حتى حديث ابن عباس لم يرفعه إلى النبي ﷺ وهذا من الأخبار التي لا تتلقى إلا بالوحي، وقد قال ابن حزم عن هذه القصة: إنها رواية خرافة مكذوبة موضوعة (٤).
(١) تفسير ابن كثير (٣/ ٥٢٨). (٢) تفسير ابن كثير (٣/ ٥٢٨). (٣) القول المفيد على كتاب التوحيد، محمد بن صالح العثيمين (٢/ ٣٠٨). (٤) حيث قال في الفصل في الملل والأهواء والنحل (١/ ٣٩٥): "وهذا الذي نسبوه إلى آدم ﵇ من أنه سمى ابنه عبد الحارث، خرافة موضوعة مكذوبة، من تأليف من لا دين له، ولا حياء، لم يصح سندها قط".