إسرائيل جائز، وربما قيل: إنه مشروع؛ لقول النبي ﷺ:"وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"(١)، وهو ما يسميه العلماء "الإسرائيليات"، والمراد بها ما يُؤثر عن أنبياء بني إسرائيل. وقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀، وغيره من العلماء، أن الموقف من الإسرائيليات لا يخرج عن ثلاثة أحوال:
الأولى: أن تكون موافقةً لما في القرآن والسنة، فنقبلها ونصدقها؛ لأن شرعنا شهد لها بالصدق. مثال ذلك: ما ورد في العهد القديم، في سفر (التكوين) من ذكر خلق آدم وحواء، وإسكانهما الجنة، وإهباطهما إلى الأرض، وذكر الطوفان، وقصة إبراهيم، ويوسف، وأمثال ذلك، فهذه أخبار قد شهد لها كتابنا بالصحة، فنقبلها ونصدقها من حيث الجملة.
الثانية: أن تكون مخالفةً لما في القرآن والسنة، مما يتضمن إساءةً إلى جناب الرب ﷾، أو إساءة إلى أنبيائه الكرام، كزعمهم -قبحهم الله- أن الله تعالى عما يقولون، ندم على إغراق أهل الأرض، وبكى، حتى رمدت عيناه، وأن لوطاً ﵇ شرب الخمر وزنى بابنتيه، وأن سليمان ﵇ عبد الأصنام، وأمثال ذلك، مما هو موجود في كتبهم التي بين أيديهم، فهذه نردها ونكذبها، ونعلم أنها مما امتدت إليه يد التحريف.
الثالثة: ما ليس في القرآن والسنة ما يصدقه ولا يكذبه، وهذا كثير جداً، فموقفنا منه التوقف، فلا نصدقه، ولا نكذبه؛ لقول النبي ﷺ:"ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله ورسله، فإن كان باطلاً لم تصدقوه، وإن كان حقاً لم تكذبوه"(٢)، فإذا عُرض على أهل العلم والدراية فرأوا أنه لا يوافق، ولا يخالف، فلا بأس بروايته؛ لعموم قول النبي ﷺ:"وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"، وفي شرعنا غنية وكفاية، ولله الحمد، ولا محوج للاشتغال بالإسرائيليات.
قوله:"أبرصَ وأقرعَ وأعمى" نصبت هذه الثلاثة لأنها بدل من (ثلاثة) وهي
(١) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل برقم (٣٤٦١). (٢) أخرجه أبو داود في كتاب العلم، باب رواية حديث أهل الكتاب برقم (٣٦٤٤) وضعفه الألباني.