للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسم (إن) والبرص، والقرع، والعمى، آفات معلومة، فالأبرص: من كان في جلده شيء من البياض، وهو مرض جلدي معروف، يتقذره الناس. والأقرع: الذي سقط شعر رأسه، وغالباً ما يصيب الصبيان، وربما أصاب الكبار، فيكون في الرأس قروح ينشأ عنها تساقط الشعر، وهو أيضاً مما يستقذره الناس. والأعمى: من سُلب حاسة البصر، إما من أصل الخلقة، أو طرأ عليه.

قوله: "فأراد الله أن يبتليهم" أي: يختبرهم، ولا ريب أن الله يبتلي جميع عباده، كما قال: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: ٣٥] فلا يظن أحد أنه بمنجاة من الابتلاء، قال الله ﷿: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ٢، ٣] ولا ينبغي للإنسان أن يسأل الله البلاء، بل ينبغي أن يسأل العافية؛ كما قال النبي مرة لأصحابه، وقد حالت الشمس بينهم وبين عدوهم أن يقتتلوا، فقالوا: "وددنا يا رسول الله لو أن لقينا أعداءنا" أي: وحاربناهم، فقال النبي : "لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم، فاصبروا" (١). فربما قرأ طالب العلم في سير بعض العلماء والصالحين، الذين جرى لهم ابتلاء، فتاقت نفسه إلى أن يجري له كما جرى لهم، فهذه التمني ليس صواباً، فإنه لا يعلم ما يكون حاله إذا أصابه البلاء، فلربما فُتن. بل ينبغي له أن يسأل الله العافية. قوله: "فبعث الله إليهم ملكاً" الملك: واحد الملائكة، وهم خلق كريم من خلق الله، خلقهم الله تعالى من نور، وأعطاهم القدرة على التشكل بهيئة البشر، كالملك الذي أتى مريم، ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٧]، والملائكة الذين أتوا إبراهيم ثم لوط على هيئة شبان صباح الوجوه، وكما كان جبريل يأتي النبي على صورة دحية الكلبي. فهذا الملك أتى إليهم على صورة آدمي؛ لأنه لو أتى على صورته التي خلقه الله عليها لاستنكروه. قوله: "فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ " مراده من مطالب الدنيا.


(١) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب كان النبي إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس برقم (٢٩٦٦) ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب كراهة تمني لقاء العدو، والأمر بالصبر عند اللقاء برقم (١٧٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>