٤ - وجوب الغلظة على المنافقين، وأشباههم من الفساق؛ لفعل النبي ﷺ بالمنافق، ولقول عوف:"كذبت، ولكنك منافق". فيحتاج المؤمن أحياناً إلى الغلظة على من يستحق أن يغلظ عليه. أما من صدر منه شيء جهلاً، أو خطئًا، فالأصل فيه الرفق، فإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف. وشاهد ذلك: ما جاء عن عائشة قالت: استأذن رهط من اليهود على رسول الله ﷺ فقالوا: السَّام عليكم، فقالت عائشة: بل عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله ﷺ:"يا عائشة! إن الله يحب الرفق في الأمر كله" قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال:"قد قلت: وعليكم"(١)، وفي رواية:"يا عائشة! إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه"(٢).
٥ - أنه ليس كل عذر يكون مقبولاً، وليس كل من اعتذر قبل عذره، فمن الأعذار ما يُقبل، ومنها ما لا يُقبل. والأصل قبول العذر، فالله ﷾ يحب العذر، وقد جاء في صحيح البخاري:"ولا شخص أحب إليه العذر من الله"(٣)، لكن ليس كل عذر يقبل، وإلا كان الإنسان مستغفَلاً، فينبغي أن يميز الإنسان بين مقام ومقام؛ ولهذا قال الله: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾ [الشورى: ٤٠] فقرن العفو بالإصلاح، فإذا كان في عفوك إصلاح فحيهلاً، وأما إذا عفوت، تمادى الظالم في غيه فلا، ولا كرامة. مثال ذلك: لو أن إنساناً قال لك: إني قد اغتبتك، وأرجو أن تسامحني، ورأيتَ عليه مظاهر الندم، والتوبة، فقلت: غفر الله لك، وعفا عنك، فلما كان من الغد جاءك وقال: اغتبتك أخرى، وبعد غد كذلك، فهذا لا يستحق العفو، حتى يرتدع، ويعقل لسانه.
ومن ذلك أيضاً: ما يجري في حوادث السيارات، أو غيرها من الجنايات، وترتب الديات والضمانات، فليس العفو سائغًا في كل حال؛ لأن من السفهاء من
(١) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله برقم (٦٠٢٤) ومسلم في كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم برقم (٢١٦٥). (٢) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق برقم (٢٥٩٣). (٣) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول النبي ﷺ: «لا شخص أغير من الله» … برقم (٧٤١٦) مسلم في كتاب اللعان برقم (١٤٩٩).