كما فهمت يهود، وميزوا الصحيح والباطل من الألفاظ؛ لما كان لهم هوى التنقص واللوم.
الثالثة: قوله ﷺ: "أجعلتني لله نداً؟ " فكيف بمن قال: مالي من ألوذ به سواك … والبيتين بعده؟ (١).
أي: إذا كان النبي ﷺ أنكر على من قال: "ما شاء الله وشئت" وقال: "أجعلتني لله نداً؟ " فكيف بمن قال: ما هو أعظم من ذلك؟! وألمح المصنف ﵀ إلى أبيات البوصيري التي غلا فيها في مدح النبي ﷺ إذ يقول:
يا أكرَمَ الرُّسْلِ ما لي مَنْ أَلُوذُ به … سِوَاكَ عندَ حلولِ الحادِثِ العَمِمِ
إنْ لَمْ يَكُنْ في مَعادِي آخِذاً بِيَدِي … فضلاً وإلا فقلْ: يا زَلَّةَ القدمِ
فإنَّ من جُودِكَ الدنيا وَضَرَّتها … وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمَ اللّوحِ وَالقَلمِ (٢).
حيث وحَّده باللياذ، والفضل، وملك الدنيا والآخرة، وعلم اللوح والقلم! فماذا أبقى لله؟
الرابعة: أن هذا ليس من الشرك الأكبر؛ لقوله:"منعني كذا وكذا".
إذ لو كان يبلغ مبلغ الشرك الأكبر لم يمنعه الحياء، ولم يتردد في النهي عنه.
الخامسة: أن الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي.
وقد ذكر النبي ذلك ﷺ صريحاً في قوله:"الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة"(٣)؛ ووجه هذا التقسيم: أن النبي ﷺ بدئ بالرؤيا
(١) ديوان البوصيري (ص: ٢٥١ - ٢٥٢). (٢) ديوان البوصيري (ص: ٢٥١ - ٢٥٢). (٣) أخرجه البخاري في كتاب التعبير، باب: الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة برقم (٦٩٨٩) عن أبي سعيد الخدري. ومسلم في كتاب الرؤيا برقم (٨) عن أبي هريرة.