فيستدعي البيان والتعقيب؛ لأنه المشرّع للأمة، فلما علم أنه قد حدّث بها، صعد المنبر، وحمد الله، وأثنى عليه، وهذا يدل على أن من أراد أن يخطب فليبدأ بحمد الله، والثناء عليه، ثم يقول:(أما بعد) أي: مهما يكن من شيء.
قوله:"فإن طفيلاً رأى رؤيا، أخبر بها من أخبر منكم" هذا يدل على أن رؤيا الطفيل، رؤيا حق؛ لأن النبي ﷺ اعتمدها وأقرها، وعمل بمقتضاها. والرؤيا لا تستقل بإثبات الأحكام، ولكن لما قصها على النبي ﷺ، وأقر مضمونها، دل على أنها رؤيا حق.
والرؤيا ليست كالحلم، فالحلم من الشيطان، والرؤيا من الله، وهي عبارة عن أمثال، ورموز، يضربها الملك للمؤمن في منامه، فتقع في نفسه موقعاً، ويكون لها دلالة؛ ولهذا كان النبي ﷺ يحتفي بالرؤى، وإذا أصبح قال:"أيكم رأى رؤيا؟ "(١)، فيطلب منهم أن يقصوا عليه مما رأوه. وكان هو أيضاً ﷺ يحدثهم بما رأى من مرائي، وبعضها طويل، وكان ﷺ يُعبّر الرؤى أحياناً. فلا بأس أن يخبر الإنسان برؤياه، ولا بأس أن يطلب لها التعبير، إلا أنه قد وقع في الأزمنة الأخيرة توسع بالغ في هذا، من قبل الرائين، والمعبرين؛ فبعض الرائين لا يميزون بين الحلم والرؤيا؛ فكلما رأى شيئاً في المنام ظنه رؤيا، مع أن ما يراه الإنسان في المنام ربما كان رؤيا، وربما كان حلماً مزعجاً مؤذياً من الشيطان، وربما كان مما يحدث به نفسه في اليقظة، فيراه في المنام، وهذا كثير، بل هو الغالب. وصار كثير من الناس، لا سيما النساء، يكثرن من طلب التعبير للأحلام، ولا ينبغي للإنسان أن يشغل نفسه بذلك، فإن جزءاً منها من الشيطان؛ ولهذا قال ﷺ:"الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه، فلينفث حين يستيقظ ثلاث مرات، ويتعوذ من شرها، فإنها لا تضره"(٢). قال أبو سلمة ابن عبد الرحمن ﵀، وهو أحد رواة الحديث:"وإن كنتُ لأرى الرؤيا أثقل عليّ من الجبل، فما هو إلا أن سمعتُ هذا الحديث فما أباليها"(٣).
(١) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في الخلفاء برقم (٤٦٣٥) وصححه الألباني. (٢) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب النفث في الرقية برقم (٥٧٤٧) ومسلم في أول كتاب الرؤيا برقم (٢٢٦١). (٣) المرجعان السابقان.