للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَيْفَ بِغَيْرِ هَذَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ؟ " هَذَا خَبَرٌ تَصْدِيقُهُ فِي قَوْله تَعَالَى "فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا" وَلِهَذَا شَوَاهِدُ فِي الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ. وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ يَسْرِي فِي الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الدِّينِ مِنْ الْخَاصَّةِ؛ كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ ابْنُ عُيَيْنَة؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَحْوَالِ الْيَهُودِ قَدْ اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْعِلْمِ وَكَثِيرًا مِنْ أَحْوَالِ النَّصَارَى قَدْ اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الدِّينِ كَمَا يُبْصِرُ ذَلِكَ مَنْ فَهِمَ دِينَ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا ثُمَّ نَزَّلَهُ عَلَى أَحْوَالِ النَّاسِ) (١)

فدلّ ذلك على أن الجاهلية لا تختص بفترة زمنية، ومعنى: ﴿يَبْغُونَ﴾ أي: يريدون، ويطلبون ويشتهون وتتمة الآية: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا﴾ الجواب: لا أحد أحسن، وإذا كان الجواب: بلا، فالاستفهام للنهي. و ﴿أَحْسَنُ﴾ أفعل تفضيل، لا يدل على أن في الطرف الثاني حسن؛ لأن أفعل التفضيل لا يقتضي وجود فضل في الطرف المقابل، كقول الله ﷿: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ [الفرقان: ٢٤] فأصحاب النار ليس عندهم حُسْن ألبتة، بل الحسن كله في ما أنزل الله، والسوء كله فيما ناقض ما أنزل الله.

قوله: ﴿لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ أي: لقوم يعلمون علم اليقين أن حكم الله ﷿ هو الخير والهدى، وأنه صالح لكل زمان، ومكان، وأمة، وأنه مصلح للأفراد والمجتمعات.

مناسبة الآية للباب:

ظاهرة، لما فيها من النكير على من طلب التحاكم إلى غير الله ﷿ والثناء المطلق على حكمه، الذي يدرك حسنه أهل اليقين.


(١) (مجموع الفتاوى (١٠/ ٦٥٦ - ٦٥٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>