والصلاح يحصل بالتزام شرع الله ﷿، قال أبو بكر بن عياش ﵀: "إن الله بعث محمداً إلى أهل الأرض، وهم في فساد، فأصلحهم الله بمحمدٍ ﷺ، فمن دعا إلى خلاف ما جاء به محمد ﷺ فهو من المفسدين في الأرض" (٢)، فأحسن التنظير ﵀. وقال ابن القيم ﵀ في (بدائع الفوائد): "ومن تدبر أحوال العالم، وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله، وعبادته، وطاعة رسوله، وكل شر في العالم، وفتنة، وبلاء، وتسليط عدو، وغير ذلك، فسببه مخالفة رسوله، والدعوة إلى غير الله ورسوله" (٣).
قوله: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ استفهام إنكاري للتوبيخ. والجاهلية: كل ما خالف الإسلام، لكنها تطلق اصطلاحاً تاريخياً على الفترة التي سبقت بعثة النبي محمد ﷺ؛ وذلك لعموم الجهل فيها، كما قال الله ﷿ لنساء النبي: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣]، فتلك هي الجاهلية الأولى، وقد تقع جاهليات لاحقة؛ لأن مرد ذلك إلى الجهل، فأينما وجد الجهل وُجدت الجاهلية. وقد تظهر في الأفراد، كما قال النبي ﷺ لأبي ذر ﵁؛ لما قال لبلال: يا ابن السوداء: "إنك امرؤ فيك جاهلية" (٤)، وقد تظهر في المجتمعات، كقول النبي ﷺ: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن" (٥)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية،﵀: (فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ حِينِ يَبْلُغُ؛ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَزْمِنَةِ الْفَتَرَاتِ الَّتِي تُشْبِهُ الْجَاهِلِيَّةَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي يَنْشَأُ بَيْنَ أَهْلِ عِلْمٍ وَدِينٍ قَدْ يَتَلَطَّخُ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ بِعِدَّةِ أَشْيَاءَ
(١) أخرجه أحمد ط الرسالة برقم (٨٧٣٨) وقال محققو المسند: "إسناده ضعيف لضعف جرير بن يزيد". وابن حبان في كتاب الحدود، ذكر الأمر بإقامة الحدود في البلاد، برقم (٤٣٩٨) وقال الألباني: "حسن لغيره". (٢) الدر المنثور في التفسير بالمأثور (٦/ ٤٢٩). (٣) بدائع الفوائد ت العمران (٣/ ٨٥٧). (٤) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك برقم (٣٠) ومسلم في الإيمان والنذور، باب إطعام المملوك مما يأكل برقم (١٦٦١). (٥) سبق تخريجه.