للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلى المسلم أن ينعتق من أسر التعصب، وربقة التقليد، فإنه يضل صاحبه عن الحق، ولا يقول -كما قال أحدهم-: كل قول يخالف ما قاله الأصحاب فهو إما منسوخ أو مؤول! فصارت مرجعيته الأصحاب، لا الكتاب والسنة. وهذا ينقض شهادة: أن محمد رسول الله؛ فقد جعل كلام الأصحاب حاكمًا على كلام محمد . فعلى المؤمن أن يوحد النبي بالإتباع، كما يوحد الله بالعبادة، سواء بسواء.

وقد وقع في الأمة الإسلامية، من جراء التعصب المذهبي، ما يندى له الجبين، فبلغ الأمر بالمتعصبة أن يقول قائلهم: يجوز للحنفي أن يتزوج يهودية أو نصرانية ولا يجوز له أن يتزوج شافعية! ويقال: إن اثنين تنازعا في مسألة تحريك الإصبع في الصلاة، وكان أحدهما يرى التحريك، والآخر لا يرى ذلك، فلما قاما إلى الصلاة جعل أحدهما يحرك إصبعه بشدة، ليغيظ صاحبه، فلما سلم عمد إلى إصبعه فكسره!.

وعلى طالب العلم أن يجتهد في بيان الحق في مسائل الخلاف، فإن قُبل منه فذاك، وإن لم يُقبل منه فليحسن الظن بمخالفه، ويعتقد أنه هذا ما أدى إليه اجتهاده، إذا كان المخالف عنده أثارة من علم. أما إذا كان ﴿يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ [الحج: ٨]، وإذا قيل له: قال الله ورسوله، كذا وكذا، أشاح بوجهه، وقال: ولو! فهذا يُعرض عنه، ولا يمارى، فإنه مفتون، كما قال الإمام أحمد: "لعله إذا رد بعض قوله يقع في قلبه شيء من الزيغ، فيهلك". وقد كان السلف ينكرون أشد النكير على هؤلاء، فعن ابن عباس قال: قال رجل: كم يكفيني من الوضوء؟ قال: مد، قال: كم يكفيني للغسل؟ قال: صاع، فقال الرجل: لا يكفيني، قال: لا أمَّ لك، قد كفى من هو خير منك، رسول الله " (١). ومنهم من هجر من رد شيئاً من كلام النبي ، كما جاء عن سعيد بن جبير، أن قريباً لعبد الله بن مغفل خذف، قال: فنهاه، وقال: إن رسول الله نهى عن الخذف، وقال: "إنها لا تصيد صيداً، ولا تنكأ عدواً، ولكنها تكسر السن، وتفقأ العين" قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله


(١) أخرجه أحمد ط الرسالة برقم (٢٦٢٨) وقال محققو المسند: "صحيح لغيره".

<<  <  ج: ص:  >  >>