للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأمراء في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أرباباً"

مناسبة الباب لكتاب التوحيد:

لما كانت الطاعة "عبادة"، لم يجز صرفها لغير الله، ووجب توحيد الله بها، ومن أعظم حق الله في الطاعة: طاعته في التحليل والتحريم؛ إذ أنّ هذا خالص حقه، قال الله ﷿: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: ٢١]. وليس للأمراء، ولا للعلماء، أن يشرّعوا دون الله، فكما أن له الخلق، فله الأمر، كما قال: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤] فالله ﷿ هو الذي يأمر وينهى، ويحل ويحرم، ووظيفة العلماء أن يُبيّنوا ذلك للناس، ووظيفة الأمراء أن يحملوهم عليه، هكذا جرت السنن، وسارت الأمة من لدن رسول الله إلى يومنا هذا، فمن عكس الطريقة، وسوغ لنفسه أن يحل ما حرم الله، وأن يحرم ما أحل الله، فقد نازع الله في حقه، ومن أطاعه في ذلك فقد اتخذه رباً؛ لما سيأتي من الآيات.

قوله: "وقال ابن عباس يوشك" أي: يقرب ويدنو.

قوله: "أن تنزل عليكم حجارة من السماء" أي: أن تحصبوا بالحجارة، وهو نوع من العذاب. قوله: "أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟ " أي: أنّ ابن عباس أنكر إنكاراً بليغاً على من يسمع كلام النبي ، ويقابله بكلام أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، فكيف بمن قابله بكلام من دونهما من العلماء والأمراء؟!.

وهذا الأثر قد رواه بألفاظ متقاربة: الإمام أحمد، كما تقدم، والخطيب البغدادي (١)، وابن عبد البر (٢)، وابن حزم (٣)، وذكره بهذا اللفظ ابن القيم في إعلام الموقعين كما تقدم.

ولهذا الأثر قصة: وهو أنّ عروة بن الزبير قال لابن عباس: "ألا


(١) الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (١/ ٣٧٧).
(٢) الاستذكار (٤/ ٦١) والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (٨/ ٢٠٨).
(٣) المحلى بالآثار (١٢/ ٣٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>