للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرح:

العلماء والأمراء: طائفتان يصلح الناس بصلاحهم، ويفسدون بفسادهم؛ لما لهما من النفوذ والتأثير. ومنزلة العلماء في الشريعة منزلة عالية رفيعة، فإن هم وفوا بالميثاق الذي أخذه الله عليهم، نفع الله تعالى بهم نفعاً عظيماً، يقول الله ﷿: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧].

كما أن الأمراء أيضاً لهم منزلة عالية في ضبط الأمور، وانتظام أحوال البلاد والعباد، ودفع الفساد، فإذا صلحوا أصلح الله تعالى بهم أمر العامة، حتى قال بعض الصحابة: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" (١)، وقال الإمام أحمد : "لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها لإمام عادل؛ لأن في صلاحه صلاحاً للمسلمين" (٢)،

وقد أمر الله تعالى بطاعة ولاة الأمر، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] فجعل طاعة أولي الأمر - وهذا يشمل الأمراء والعلماء- تابعة لطاعته وطاعة رسوله ، وطاعة الله وطاعة رسوله، أصلان عظيمان، وطاعة الرسول من طاعة الله؛ لقوله: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله" (٣). فأحق من يُدعى له بالتسديد والتوفيق مَنْ ولي ولاية عامة، وهم العلماء الذين يُصدَر عنهم في الأحكام، والأمراء الذين بسط الله تعالى لهم في السلطان، فتجري أحكامهم وأوامرهم على الكافة. فمن أطاع العلماء


(١) هذا الأثر في تفسير ابن كثير ت سلامة (٥/ ١١١) ذكره مرفوعاً، وهو في تاريخ بغداد ت بشار (٥/ ١٧٢) عن عمر بن الخطاب، يَقول: لما يزع اللَّه بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن، وفي التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (١/ ١١٨): عن عثمان بن عفان كان يقول: "ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن".
(٢) الفروع وتصحيح الفروع (٣/ ١٧٨) والمبدع في شرح المقنع (٢/ ١٦٦).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: ﴿وأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] برقم (٧١٣٧) ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية … برقم (١٨٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>