قوله:"فلا انتقش" أي: فلا يتمكن من إخراج الشوكة، بمعنى: أنه يعجز عن أبسط الأشياء وأهونها، ولا يمكنه الخلاص منها، حتى إنه لو أصابته شوكة لم يتمكن من إخراجها بالمنقاش. وكل هذه دعوات له بالخيبة، وسوء الحال والمآل.
وبعد أن صور النبي ﷺ صورة المتاجر بدينه، المريد الدنيا بعمله، الطالب للعطايا والهبات على حساب دينه، الساخط عند المنع، ودعا عليه بما يستحق من فساد أمره، فوات طلبه، عقّب على ذلك بصورة مقابلة:
قوله:"طوبى لعبد" طوبى قيل: اسم للجنة، وقيل: اسم شجرة في الجنة، مأخوذ من التطويب، أو من الدعاء له بالطيب، فإن مادتها واحدة. والمراد بالعبد الجنس.
قوله:"آخذ بعنان فرسه" العنان: سير اللجام للدابة.
قوله:"في سبيل الله" أي: مجاهدًا في سبيل الله؛ لأن من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. وهذا دليل الإخلاص.
قوله:"أشعث رأسه" أي: غير مرجل ومدهن، بل فيه الشعث والغبرة؛ لانهماكه في الجهاد، فهو ليس من أهل التنعم والترفه بحيث يمشط شعره، ويدهنه، لأنه مشغول بما هو أعلى وأولى. قوله:"مغبرة قدماه" لتنقله على قدميه في المغازي، والثغور، ومضامير الجهاد في سبيل الله. قوله:"إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة" أي: أنه لا يأبه بموقعه في المعركة، فإذا وجهه قائد الجيش، أو أمير السرية إلى موضع، قال: سمعاً وطاعةً؛ لأنه لا يبحث عن الصدارة، أو السلامة، وإنما يسعى لإعزاز الدين، فطوراً يكون في الحراسة؛ فيمكث في الليل شاخصاً يحمى بيضة المسلمين، وتارة يكون في الساقة، في أخريات القوم، يعين ساقطهم، ويلتقط ساقطتهم.
قوله:"إن استأذن لم يُؤذن له، وإن شفع لم يشفع" أي أنه ليس من أهل الوجاهة والظهور، حتى إنه يرد في الأبواب، ولا يعتد بشفاعته، كما قال